"رفع الاسعار" يؤزم الشارع .. مؤشرات شعبية مقلقة وحلول حكومية قاصرة


جراسا -

ايهاب سلامة - مصيبتنا الأزلية في اﻻردن، أننا قد ابتلينا بحكومات لا تملك الرؤى المناسبة، ولا الحلول الابداعية الخلاقة، لأزماتنا الداخلية، سيما الأقتصادية منها، بشكل ترتقي فيه لحجم المرحلة الصعبة ومتطلباتها، ولا لمستوى طموح القيادة والمواطن.. مثلما ابتلينا بمجالس نيابية ضعيفة، دخل اعضاؤها بشراكات وتنفيعات شخصية مع السلطة التنفيذية، على حساب سلطتهم الرقابية والتشريعية، وبالتالي على حساب الوطن والمواطن، فانتجت السلطتين دولة اقتصادية ضعيفة مأزومة، ترزح تحت وطأة مديونية طائلة، لم تجد الحكومات من حلول لها، سوى اللجوء لجيب المواطن، الذي لم يكن في الاساس سبباً لها ولاخفاقاتها.

الازمة الاقتصادية الاردنية بطبيعة الحال، ليست وليدة اللحظة، بل هي تراكمات سياسات فاشلة، لحكومة تلو الاخرى، وبرلمان تلو البرلمان، وظلت الحكومات المتعاقبة لازمنة غابرة ، بعجزها وقصورها، ترحّل أزماتها ولا تحلها، حتى أوصلتنا الى مرحلة باتت فيها المعالجات التي كانت ممكنة ذات يوم، مستفحلة مستعصية، ولم يعد مجدياً لها سوى "عمليات جراحية" جذرية، انما لجسد انهكه اﻻعياء والتعب، وربما ما عاد يحتمل نصل مبضع !

آخر مصائبنا، ومؤكد ليست اﻻخيرة، تجلت في حكومة الملقي، الذي بات من المؤكد ان جعبة الرجل وحكومته هو اﻻخر فارغة.. من ابتكار حلول خلاقة لمشكلاتنا اﻻقتصادية قبل السياسية، وان حكومته منصبة فقط لاتخاذ قرارات رفع الأسعار والضرائب الازلية ذاتها، التي انهكت المواطنين أيما إنهاك، الأمر الذي ﻻ يحتاج منها سوى تواقيع على ورق، وتمريرات برلمانية شكلية مضمونة، قادر على تسييرها طالب في المرحلة الثانوية وحده، دون الحاجة لعشرات الوزراء ووزاراتهم، والبرلمانيين وبرلماناتهم.

واذا كانت حكومة الملقي غير قادرة على ابتكار حلول استثنائية لعجز موازنتها ومديونية البلاد سوى من جيوب المواطنين، فلا يتوجب التعويل عليها أبداً ، والأجدى لوطننا الذي بتنا نخشى عليه أكثر من سالفات الأزمان، رحيل هذه الحكومة على عجل، وتشكيل حكومة من كافة القوى السياسية اﻻردنية، وخيرتها، وتوسيع المشاركة السياسية في السلطة التنفيذية، وتحمل الجميع مسؤولياتهم الوطنية، عل الله يحدث من بعد ذلك امرا..

الراصد الأمين لردود فعل الشارع حالياً ، يستقرىء أمرًا خطيرًا .. يتوجب أن يضعه أمام صانع القرار، دون مجاملات فارغة ومداهنة، بوجود مؤشرات خطيرة يمكن تلمّسها وتقصّيها بغاية السهولة، لدى السواد الأعظم من المواطنين، الذين باتت لغتهم النقدية مختلفة، ومغايرة، بل ومقلقة، وأضحت أصوات الصامتين التقليديين منهم، أعلى من الصائحين قبلهم ، متذمرة شاكية، منفعلة متوجسة غاضبة، بشكل غير مسبوق، تحتم على الحكماء في دوائر صنع القرار، أخذها في حسبانهم بشكل بالغ الحكمة، وعدم اﻻستكانة لها، واﻻستهانة بها، وصبّ الجهود كلها لتحقيق انجازات نوعية خارجة عن مألوف حكومات حلول الجباية، تهدء روع المواطنين وسخطهم، وتمنحهم قليلاً من البشرى والأمل، وتريهم كثيرًا من اﻻنجاز والعمل، وإﻻ فان الذي يتحمل مسؤولية ارتفاع منسوب اﻻحتقانات في الشارع لاحقاً، هم نفسهم الذين يفترض بهم تفريغها وايجاد الحلول لها !

الحكومة التي همّهما فقط، ضبط توقيت أرقامها المالية وفق ساعة البنك الدولي والدول الدائنة، دون الأخذ بعين اﻻعتبار للأبعاد السياسية الداخلية لقراراتها، وانعكاساتها السلبية، ضمن هذا الأقليم المصاب بمس جنوني، الغاص بالموت والفوضى والخراب، هي حكومة مصابة بقصر نظر، وستخلق مشكلات أكبر وأخطر من المشكلة التي تسعى لحلها.

والحكومة التي تريد تحصيل أرقام مالية محددة، بتواريخ محددة، بأي شكل وطريقة، معتقدة ان تواقيع نواب فارغين مفرغين، كافية وحدها لعبور سفينة قراراتها سالمة، ومنحها صبغة تشريعية، دون توقعها أمواجا شعبية مناوئة لرياح أشرعتها، هي حكومة قاصرة ، وتبحر بنا نحو عين العاصفة.

المنظّرون الاقتصاديون والليبراليون، الذين اشبعونا بمقالاتهم وتحليلاتهم الاقتصادية أنهم يملكون ناصية الحلول الجذرية لاقتصادنا المتعثر، ما أن تسلموا مناصبهم الحكومية الاقتصادية الرفيعة، حتى تبخرت تنظيراتهم ادراج الرياح، ولم نر من أوهامهم الاقتصادية شيئاً يتحقق على ارض الواقع، بل أصبح وجودهم عبئاً اضافياً على الحكومات التي تعلقت بقشة أسمائهم الرنانة، بكل خيبة ..

على الحكومة أن تسارع لعقد مؤتمر انقاذ اقتصادي وطني ، تشرك به جميع الكفاءات والقيادات والخبراء والنخب اﻻقتصادية المبدعة الخلاقة، السياسية واﻻكاديمية، تكون مهمته دراسة واقعنا اﻻقتصادي، وتشارك الرؤى الاقتصادية المختلفة، ووضع الخطط والحلول، الداخلية والخارجية، للنهوص باقتصادنا المتعثر، بعيدا عن حلول البنك الدولي، وقرارات التفرد والتخبط وضيق الافق العاجزة.

كما نحن في أمس الحاجة الان، لاستثمار العقول الاردنية، أكثر من أي وقت مضى، واستغلال كفاءاتنا الوطنية، الفكرية واﻻقتصادية والسياسية، التي استطاعت ان تبني دوﻻً عربية وخليجية وأجنبية، وأُقصيت داخل وطنها، وتحويلهم لسفراء اقتصاديين للاردن نحو العالم، لايجاد الدعم وخلق المشاريع والفرص واستقطاب اﻻستثمارات، وتحريك المياه الدولية الراكدة حول مواقف اﻻردن الانسانية والسياسية نحو ملايين المهجرين عندنا، والدول المضطربة حولنا، التي ندفع فاتورتها وحدنا، سيما وأن اﻻردن على اطول حدود مع الكيان الصهيوني غربًا، والعراقية الكارثية شرقًا، والسورية الدموية شماًﻻ، والسعودية المصرية جنوبًا، يقف كصمام أمان اقليمي بالمطلق، دون ان يقدر ساستنا المبجلون على استثمار موقعنا الجيوسياسي، ومواقفنا السياسية والعسكرية مع المجتمع الدولي، وتحويل التبعات الكونية الكارثية الملقاة على عواتقنا وحدنا، الى حقوق مكتسبة، بدعم دولي حقيقي يوازي المواقف الاردنية واعبائها.. فانه عجز وقصور سياسي واقتصادي، وفشل ذريع ما بعده فشل ابدا.



تعليقات القراء

فلسطينية
حقائق مؤلمة بحجم صدقها
المواطن وما ادراك ما المواطن
سُلب حقه في الاعتراض وما عليه سوى الرضوخ.. لكن لابد للبالون يوما ان ينفجر
ابدعت استاذي
11-01-2017 11:25 PM
ماهو لزومها
اولا البدأ في الهييئات المستقلة
رد بواسطة محمد عبيدات
اتفق معك تماما فهي سبب اساس في وضعنا الاقتصادي
12-01-2017 12:13 AM
قلنالكم
قلنالكم ما بتصدقو عام 2017 اكيد انهيار بسعر صرف الدينار عليكم بالذهب والفضة .... وطنشو الحكومة لان ما عندها شي .. ولا بامكانها تساوي شي
12-01-2017 04:48 AM
محمد ملكاوي
تحليل صادق وامين وواصح عله يصل
12-01-2017 05:09 AM
Rami a.a
الشعب معذور مهما كانت ردة فعله ... لم يبقى لدينا شيء .. سوى النزول الى الشارع ... بكفيييييي
12-01-2017 06:03 AM
اردني حر1111
الى وزير الاعلام المواطن هو من يعاني وليس الوزراء والمسؤولين الذين يعيشون في اباج عاجية ولا يرون المواطن
12-01-2017 09:35 AM
الـــمـــثـــنـــى
أخي الكاتب
سلمت يمناك
ما قلته عن الحكومة لا غبار عليه
و لكن هناك سؤال أودُّ منك الإجابة عنه
ما رايك أو تعليقك على من يشتري من المواطنين بطاقة بمبلغ 70 دينارا ( 100 دولار ) لحضور استعراض سياسي ساخر ؟؟؟
12-01-2017 04:54 PM
وليد الرشدان
نحن مع الوطن وله ..ولكن بعد محاربة الفاسدين ومحاسبتهم واسترجاع ما نهبوه اولا ومحاسبة القائمين على المال العام ...عندها خذ بيوتنا فداء للوطن
21-01-2017 04:30 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات