حاملو الشموع .. سلاماً


قبل أربع سنوات تقريباً غامرت بترك وظيفتي في وزارة الثقافة في ظلّ ذلك الحماس الذي كان سائداً حينذاك بإنشاء محطة تلفزيونية أردنية ذات بعد عربي ودولي ، لا تستند إلى تجربة التلفزيون الأردني كمثال لها ، ولا تقارن مستقبلها بها ، بل تمضي باتجاه آخر تحت اسم "إي تي في" مستفيدة من الخبرات الإعلامية الأردنية التي تمّ استقطابها من الخارج ، أو حتى من التلفزيون الأردني نفسه ، ومن أحدث التقنيات المجلوبة خصيصاً لها ، لعلها أخيراً تحقق للبلد سمعة عربية ودولية في مجال الإعلام التلفزيوني بشكل احترافي،

كنا نعمل كفريق واحد في شتى الأقسام والإدارات نسابق الليل بالنهار من أجل إعداد البرامج والأخبار والتخطيط والتدريب وإنجاز قاعدة بيانات ، وبدأت بالفعل تلك الخبرات تتساوق معا في انسجام من أجل بلورة عدد من البرامج السياسية والاستقصائية والوثائقية والترفيهية والرياضية الموجهة إلى كل أفراد العائلة إضافة إلى الأخبار على مدار الساعة أيضاً ، ولكن اختلطت الأوراق مراراً ، وسمعنا تصريحات متضاربة من هنا وهناك ، وإلى اليوم نعيش في حيرة مما يجري ، والمهم أن ضحايا التوقف الأول للمحطة قبل نحو سنتين في المرة الأولى ، وهذه المرة الثانية هم الإعلاميون العاملون على المستوى الشخصي والمهني ، أما الضحية الكبرى بنظري فهي فقدان المصداقية لإنشاء محطة تلفزيونية متميزة في الأردن وقادرة على التنافس عربياً..،.

في المرة الأولى حملنا الشموع واعتصمنا بعد أن مرت علينا أشهر قاسيات وقعنا فيها أسرى الآمال الخادعة ، فمنا من ترك عمله ، ومنا من بقي يأمل بتغير المشهد وإغلاق ملف التردد إلى الأبد ، وآخرون انسلوا بهدوء محبطين ، وتركوا العمل التلفزيوني نهائياً ، وهناك مذيعات نسيهن المشاهدون من طيلة الانتظار ، وبرامج أصبحت من الماضي ، ولا تصلح للبث ، ثم نهضنا مثل طائر العنقاء من جديد محاولين طي صفحة التعثر ، وتسللت أنا أيضاً باحثا عن رزقي في مكان آخر ووظيفة أخرى لا علاقة لها بالأولى ، وها هي الأخبار تأتينا تباعاً ، إذ يتكرر السيناريو نفسه ، اعتصامات في برد الشتاء وحرّ الشمس ، والقضية واحدة ولا من مجيب..،

رأيت صوراً تناقلتها المواقع الالكترونية لمن تبقى من أولئك الرفاق القدامى ، وهم على قارعة الطريق يضيئون شموعهم ، وقرأت تلك التقارير الصحفية التي كتبت عنهم على استحياء ، فشعرت بفيض المرارة وذلك الإحباط الذي استشرى في الجسد الإعلامي من جديد ، ولا صوت يجيب أيضاً..،

ليست المسألة متعلقة فقط بتأمين الرواتب وإعادة المفصولين إلى عملهم فهذا حق بديهي ينبغي البتّ فيه سريعاً إذا لا ينبغي العبث بأرزاق هؤلاء النخبة من الإعلاميين والفنيين وعائلاتهم ، لكن المسالة برأيي أكبر من ذلك وتتطلب ترميماً حقيقياً لتلك الصورة التي تشوهت لدى هؤلاء الإعلاميين ومن مضى منهم من قبل والمتعلقة بجدية إنشاء تلفزيون أردني مختلف ، أو تصديق حصول مثل هذه المشاريع مستقبلاً ، فمن يمكنه أن يركن إلى حكاية مثل الـ (اي تي في) في المستقبل ليترك عمله أيا كان ويأتي حاملا ذلك الحماس للعمل كما فعلت أنا ذات يوم..،

هل الكتابة في هذا الموضوع ترف ودون جدوى...؟

وهل هؤلاء الإعلاميون قدموا من بلاد الواق واق أم هم من نسيج هذا البلد ، يرغبون حقاً في المساهمة بقدراتهم وخبراتهم التي جمعوها ليل نهار في بلاد مختلفة ومحطات تلفزيونية معروفة ، فلما جاءوا وجدوا أنفسهم على قارعة الطريق في مهب الريح ، ووجدوا كل الآمال الكبيرة قد تحولت إلى سراب،.

yahqaissi@gmail.com

الدستور




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات