الاردن في الوثائق السرية البريطانية


رغم إن أهمية ويكيليكس في العصر الحديث قد غطت على أهمية الوثائق السرية البريطانية والتي طالت السياسيين القدامى خاصة رؤساء الحكومات السابقين وبما أننا اعتدنا على التوريث السياسي فإن معظم أبناء السياسيين القدامى قد غطت نشاطاتهم الويكيليكس بعكس آبائهم الذين غطت نشاطاتهم الوثائق البريطانية، والوثائق السرية البريطانية في بلادنا كان محورها الأساسي القضية الفلسطينية ابتداء من مراسلات الحسين – مكماهون ووعد بلفور وسايكس بيكو ومرورا بتأسيس إمارة شرق الأردن وعقد الاتفاقية البريطانية الأردنية ومشروع روتمبيرغ وامتياز أملاح البحر الميت وتحول الإمارة إلى مملكة وتقسيم فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين والهدنة والاتصالات بالإسرائيليين في لوزان ومن ثم اتفاقية رودس إلى الوحدة بين الضفتين واستشهاد الملك عبد الله الأول في القدس وقيام الملكيتين الثانية والثالثة ومعركة قبية وتعريب الجيش وإقصاء كلوب وإلغاء المعاهدة البريطانية إلى حرب السويس وحلف بغداد وقيام مملكة الإتحاد العربي وثورة 14 تموز في العراق والوحدة المصرية السورية واستشهاد هزاع المجالي وقيام منظمة التحرير وحرب سنة 1967 وحوادث أيلول واستشهاد وصفي التل ومؤتمر الرباط حتى وصلنا إلى أوسلو ووادي عربة، فمعظم تلك الأحداث كان اللاعب الأول بها البريطانيين والذين أصبح دورهم ثانوياً في بداية الستينيات من القرن الماضي حيث حل محلهم اللاعب الأمريكي.
بعد هذه المقدمة لا بد أن نشير إلى المرحوم سليمان الموسى وطويلي العمر علي المحافظة وسعد أبو دية وماهر عثمان هم من استحضروا معظم الوثائق البريطانية التي أفرج عنها مثلما لا بد لي أن أشير بشكل خاص إلى كتاب السيد ماهر عثمان الذي صدر مؤخرا بعنوان الأردن في الوثائق السرية البريطانية من سنة 1953 حتى سنة 1957 وهي السنوات الخمس الأولى من عهد الملك حسين. حيث شكلت خلالها ثمان حكومات ابتدأت بفوزي الملقي ثم توفيق أبو الهدى ثم سعيد المفتي ثم هزاع المجالي ثم إبراهيم هاشم ثم سمير الرفاعي ثم سعيد المفتي ثم سليمان النابلسي.
ومن أهم الوثائق البريطانية في بداية عهد الملك حسين تلك التي أشارت إلى الصراع بين فوزي الملقي رئيس الحكومة وتوفيق أبو الهدى رئيس مجلس الأعيان حيث طلب أبو الهدى استجواب الملقي بعد أن أبرز الأول نسخاً من رسائل كتبها فوزي الملقي إلى الملك عبد الله الأول سنة 1948 يصف بها اتصالاته مع الإسرائيليين في لوزان وكذلك موقفه في اتفاقية رودس التي كان الملقي أثناءها وزيرا للدفاع بها، وقد أقنع الملقي المغفور له الملك حسين ليضغط على أبو الهدى لسحب استجوابه بهذا الموضوع مبرراً ذلك على أساس أن نشر الغسيل الوسخ سيضر بمصالح البلاد، وبالنهاية أقال الملك حسين الملقي وكلف توفيق أبو الهدى بتشكيل الحكومة هذا ما جاء بالوثائق البريطانية آنذاك المنشور في كتاب ماهر عثمان.
وجدير بالذكر أن البريطانيين سنة 1953 لم يقفوا مع الأردن في مجزرة قبية مما أسقط الرئيس فوزي الملقي المحسوب عليهم وعلى الإسرائيليين آنذاك بعكس أبو الهدى فلم يكن محسوبا إلاّ على البريطانيين ولم يكن محسوبا على الإسرائيليين، مع الإشارة إلى أن الهجوم على قبية كانت بقيادة شارون الذي أضحى صديقاً لبعض أعضاء الوفد الأردني بوادي عربة خاصة المنسق في تلك المفاوضات ابن المرحوم فوزي الملقي.
وبعد ذلك تشير تلك الوثائق إلى أن الملك حسين في سنة 1955 كلف سعيد المفتي بتشكيل الحكومة حيث استقال سعيد المفتي لأنه رفض الاشتراك في حلف بغداد هو وأربعة وزراء فلسطينيين حيث كلف هزاع المجالي بتشكيل الحكومة التي استعدت للدخول في الحلف إلاّ أن الشارع الأردني بالضفتين أسقط هذه الحكومة خلال ستة أيام من تشكيلها ، وفي سنة 1955 تشير الوثائق البريطانية أن جمال طوقان أبلغ السفير البريطاني في الأردن بأن الملك حسين قال لسمير الرفاعي أن الأردن يجب أن لا يظل مرتبطاً بعجلة بريطانيا .
وخلاصة تلك الوثائق في تلك الفترة أن رؤساء الحكومات في عهد الملك حسين وعلى مدار العشرين عاماً الأولى من حكمه كانوا ينتمون لإحدى المدرستين إما البريطانية وإما الأمريكية التي ابتدأت بالمرحوم سليمان النابلسي وسمير الرفاعي وبهجت التلهوني وحيادية سعيد المفتي، أما البريطانية فقد ابتدأت بأبي الهدى وفوزي الملقي وهزاع المجالي وانتهت بوصفي التل سنة 1971 مستذكرا قول الشاعر:
(ستبدي لك الأيام ما كنت جاهله ويأتيك بالأخبار من لم تزودي).



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات