طوبى للغرباء


من الأحاديث الشريفة التي اشتهرت حديث( بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) لقد صح اسناد الحديث بلا نزاع من أهل العلم، وهو مروي عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم، ومن المؤسف ان كثيراً من الأحاديث المتعلقة بآخر الزمان، يفهمها بعض الناس فهماً يُوحي باليأس من كل عمل للاصلاح والتغيير الايجابي، ولا يتصور أن يدعو الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم الأمة إلى اليأس والقنوط، وترك الفساد يستشري في الناس، والمنكرات تنخر في عظام المجتمع، دون ان يصنع الناس شيئاً نافعاً، يقوم ما أعوج من سلوك الناس، أو يصلح ما فسد من أحوالهم.
لقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الناس بعمارة الأرض، استجابة لأمر الله بالخلافة الصالحة، إلى أن تلفظ الحياة آخر أنفاسها، أكد ذلك الحديث الشريف: ان قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم - أي الساعة - حتى يغرسها، فليغرسها ، فاذا كان هذا مطلوباً في أمر الدنيا، فأمر الاسلام العظيم أعظم وأجل، ولا بد من العمل من أجله إلى آخر لحظة في هذه الحياة.
نعم بدأ الإسلام غريباً عن حياة أهل الجاهلية، من حيث الأفكار والمبادئ التي نادى بها، وطلب من أتباعه ترسيخها في قلوبهم وعقولهم، وهذه الأفكار لا تمت إلى فكر أهل الجاهلية بصلة فهي غريبة عن واقعهم وتصوراتهم، وكان المسلمون الدعاة يعانون الاضطهاد، والتنكيل، والاغتيال النفسي، ومصادرة الأفكار، لأن أهل الجاهلية كانوا يدركون التبعات الجسام إذا تركوا المعتقدات الجاهلية، وتخلوا عن المكانة الاجتماعية التي كانوا ينعمون بها، إذا دخلوا الإسلام، نعم فقد بدأ الإسلام غريباً، ولكنه لم يستمر غريباً، لقد كان ضعيفاً ثم قوي، مستخفياً ثم ظهر، محدوداً ثم انتشر، مضطهداً ثم انتصر، وسيعود غريباً كما بدأ، ضعيفاً ليقوى، فلا دلالة في الحديث عن اليأس من المستقبل أن احسن المسلمون فهمه، ومما يعزز هذا ان بعض الروايات وصفت هؤلاء الغرباء من أنهم الذين يصلحون ما أفسد الناس من السنة، ويحيون ما اماته الناس منها، فهم قوم ايجابيون بنّاؤون مصلحون، وليسوا من المنعزلين أو الاتكاليين الذين يدعون الأقدار تجري في اعنتها، ولا يحركون ساكناً، او ينبهون غافلاً.
ان أهل الإسلام الأتقياء الأبرياء في الناس غرباء، والمؤمنين في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم المخلصين في أقوامهم غرباء. وأهل العدل والسُنّة الداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد الناس غربة، ولكن غرباء الاسلام العاملون هم مصابيح الهدى، يخرجون من كل فتنة عمياء مظلمة، وغربة الناس الذين لا يلتزمون بمنهج ربهم هي الغربة الموحشة، لأنهم غرباء عن الله ورسوله ودينه، يؤكد هذا قول الله تعالى : فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات