يا مرسال المراسيل *


قبل عشر سنوات ، كان صندوق بريدي يعمر ويمتلئ على الدوام بالرسائل الآتية من كل جهات القلب ، وكم كانت لهفتي تغالبني ، وتجعلني في بعض الأحيان أفترش دكة إسمنتية صغيرة جوار مكتب البريد ، لأفض كطفل عجول مغلف رسالة لا أطيق عليها صبراً. وكم ملأتني دموع وكم هيجتني العبرات ، وأنا أشم رسالة كنت أستحضر مرسلها أمامي لحما ودما وعبقا وطيبا ، فأقرأها مرة إثر مرة.

في هذه الأيام تصلني مئات الرسائل عبر بريدي الإلكتروني أو هاتفي الجوال ، ولكنها لا توقعني في ذلك الحنين ، الذي تصنعه الورقة ، فللرسالة اللورقية نكهتها المختلفة ، في ريقي ونفسي ومخيلتي: الرسائل الورقية المحملة بأنفاس ولمسات وبصمات مرسليها ، وهمساتهم حين يضعون عليها الطابع الصغير ، هذه الرسائل ليست إلا شحنة كهربائية لذيذة عارمة تلذعني وتدغدغني. فسقا الله أيام الورق ورائحته ولمساته ، وسقا الله رسائل البريد الملونة المضمخة بالحنين والأشواق المحشورة بين السطور ، وسقا الله حرصنا الطفولي العظيم حين كنا نكتب على كل رسالة نرسلها: شكراً لساعي البريد.

ولهذا وعلى سبيل الدهشة ، وكسراً لروتين الحياة وعاديتها ومللها ، ما زلت أحرص كل الحرص أن أتبادل الرسائل الورقية مع حفنة من الأصدقاء خارج الوطن وداخله ، وكم أجدها مختلفة ومدهشة هذه العادة الجميلة ، وكم مرة أمرني فضولي وشوقي أن لا أبرح مبنى البريد إلا وقد قرأتها مرة أو مرتين.

هونغ كونغ أطلقت في العام الماضي شعار (شخص واحد ، رسالة واحدة) ، وهي فكرة تتيح لكل مواطن أن يرسل مجانا رسالة لمواطن آخر ، وذلك لحث الناس على الإبقاء على الرسائل الورقية فيما بينهم ، لما فيها من تواصل إنساني جميل بدأنا نفتقده في أيامنا هذه ، رغم ما ننعم به من تكنولوجيا الاتصالات ، ويوم الاحد المقبل يتبنى هذا الشعار الجميل بريدنا الأردني ، فيتيح لكل مواطن إرسال رسالة مجانية إلى من يحب. إلى أم في عيدها ، أو إلى أخ أو أخت أو حبيب أو زوجة أعمانا الروتين أن نقول لهم: إننا ما زلنا نحبك.

دوائر البريد في العالم تنقل مليارات الرسائل في السنة ، ولو رُصّت هذه الرسائل جنبا إلى جنب لغطت المسافة من الأرض إلى القمر 200 مرة ، أو غطت سورا بارتفاع 4 أمتار حول العالم كله. ولكن كم من هذه الرسائل ما زالت تحمل الأشواق الساخنة ، والمواعيد اللاهفة ، أو تحمل قبلاً مطبوعة على منديل صغير،.

هي دعوة إذن أن نرسل رسالة ورقية لصديق قريب ، حتى لو كنا نراه مرتين في اليوم ، أو إلى حبيب غاب منذ أقل من قبلتين ، أو أخ لم يتذكرنا منذ رنة جوال.

دعونا نرسل رسالة ورقية كي نشعر أننا لم نتحول بعد إلى آلات صماء. ويا مرسال المراسيل.

ramzi972@hotmail.com
التاريخ : 18-03-2010
الدستور 


 



تعليقات القراء

حسام البطيخي
اول ما قرأة العنوان يامرسال المراسيل على طول فتحت عليها بتعرف لية لقد ارجعتني 35 سنة الى الوراء ما احلى ايامك يا سقف السيل والناس التي كانت ساكنة فيك.......... تسلم يا اخ رمزي
18-03-2010 04:02 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات