حتى لا يُصبح الكلام في الجرح منْظَره .


تشخيص مشكلتنا نُلخصه بنتائج الفساد الاداري والمالي والسياسي الذي جعل من الدولة دولة فاشلة في علم السياسة ، ومن شعبها همه لا يتجاوز البحث عن مأكل وملجأ . وهذه الحالة بحاجة للعلاج لا للعجان . وأنجع السبل للعلاج حين نعرف السبب ، وأفشلها حين نتوهم بسب أخر ونعمل عليه وهو ليس بالسبب الحقيقي ، او حين نعوج على صنم نبكيه ونسائله ، فتستمر المشكله وتتفاقم . وعلينا هنا أن لا نقع بجرم عدم التفريق بين السبب والمظهر ، ولا نذهب منظرة ، غربا وشرقا ، فالفساد والفاسدين والنتائج كلها في المحصلة مظاهر وراؤُها سبب ، فيه يكون الحديث باحترام وموضوعية . ونستبعد هنا تماما معالجة المظاهر، فهي لا تتوقف ما دام السبب قائما ويفرخ كل جديد منها .
نناقش هنا في معرفة السبب الحقيقي لما نحن فيه، لنواجهه ونعالجه ، ودعونا نبقى في محيطنا ولا نذهب الى ما أبعد كي لا ندخل في متاهة . فكل الدول في مرحلة ما لها عدو خارجي ولم يكن مدعاة لفشلها ولحماية نفسها وشعبها . لنترك هنا امريكا والصهيونية واختراقاتها حيث استطاعت لذلك سبيلا ، وننظر الى انفسنا ، فماذا نحن فاعلون
هذه دولة فيها شعب ومجالس شعب وقيادة وحكومات ومؤسسات مدنية وعسكرية وقوانين وأنظمه ولديها المرجع والضابط المفترض لها ، والمنظم المفترض لعلاقتها ببعضها ، وهو الدستور . ولدينا معها كلها ،الفشل والمعاناه . فهل الخلل في الدستور كسند وضابط ومنظم علاقات لتلك المكونات ؟ وهل هو السبب ؟ . لو كُنا يا سادة في دولة ديمقراطية وعانينا من صعوبات فإننا ننظر الى الدستور لنرى إن كان السبب يكمن في تطبيقه أو في مخالفته أو في قصور بمواده نفسها ، فنجري اللازم بآلياتنا الديمقراطية دون أدنى صعوبه . فالحديث عن الدستور أو اتهامه لا يكون إلا في الدول الديمقراطية والتي يكون فيها للدستور اعتبار.
إلا أننا نعيش في دولة مقوماتها من ارض وسكان وسلطه موجودة ، لكن طبيعة تكوينها وآلية عملها والروابط بينها لا يشكل ولا ينتج مفهوما للدولة المعاصرة والقابلة للبقاء . دولة يحكمها بسلطاتها ومؤسساتها الملك وحده ، والشعب فيها مغيب إلا عن دفع الضرائب تماما كمقاطعات الامبراطورية الرومانية ، وإن قلنا بغير ذلك ، فلا يعقل أن نقول أن الكلمة الأخيرة فيها إن شاء ليست له ، ولا نستطيع القول بأن كل من على ارض هذه الدولة من موجودات مادية وبشرية ليست تحت ولايته . ولكنا نستطيع القول بأنه لا يتمسك بنا بقدر ما نتمسك به ، وله في هذا منطق ، ولنا بتمسكنا به مبرر.
نعود الى الدستور ونتهمه على سبيل الفرض الخاطئ بأنه هو السبب ، وبأن تعديله او العودة لدستور سابق سُتصْلح الأمور ، ثم قمنا بتعديله حسبما نريد ، أو قمنا بكتابة دستور جديد بالصورة المثالية . فهل هذا يجعل من الدستور سيدا في ظل الحالة السياسية والنهج السياسي القائم عمليا لا نظريا ؟ بالطبع لا. ومن منا لا يَعرف بأن التعديلات الدستورية كلها ومنها الأخيره ، لم تُعطٍ الملك في الواقع صلاحيات جديده ، فقد كان يمارسها من قبل ، وأن الأمر لا يعدو عن تقنين لها دستوريا بشفافية ، تحسبا منه لتَغْيرات يَحتملها قادمة في النهج السياسي أو في نظام الدولة السياسي .
من الخطأ افتراض الدساتير في حالتنا "مُخَلِصا " ودعونا من المفاضلة بين قديمها وجديدها ، فليست القصة بها . فكلها وعلى رأسها دستور عام 1952 تضمن الحريات وتَشرِطها بقانون ، والقانون يأتي إما مغايرا لمضامينها أو معقودا على سوء أمانة التنفيذ . وكلها تُفصل فيها الحقوق على المقاسات المتغيرة ، وكلها فيها الملك يعين رؤساء الوزارات او الحكومات دون نص على آلية التعيين ، وبنص على قسم الاخلاص للملك وتنفيذهم ما يوكلون به ، وليس من أحد أعلى منهم ليوكلهم سواه ، فماذا بعد ؟. القصة ليست بالدساتير مهما جعلناها مثالية وشفافة، بل في احترامها كشريعة لمتعاقدين ،وتسيدها ، وبطريقة العمل بها والتعامل معها بعيدا عن الاستئثار بها . فهذا كله لم يتغير منه شيئ ، إنما ظروفنا والظروف من حولنا هي التي تغيرت ، والنهج السياسي معها لم يتغير. والعربة لا تسير أمام الحصان .
إن الإصلاح حزمة واحدة تبدأ في العقول والقناعات والإرادات بتغيير النهج السياسي القائم ، وهناك في التاريخ ملوك منحوا شعوبهم الحرية والسلطه . فلا بد من اقتناع أحد طرفي العقد لتغيير هذا النهج ، وهما الشعب والملك . وإن العمل السياسي الصادق والهادف والمنتج لوجه الوطن والشعب هو الذي يكون باتجاه إقناع من بيده السلطة سلميا ،وهو الملك ، على تغيير النهج السياسي إلى نهج يُحترم فيه الدستور، ويسمح بتلازم السلطة والمسئولية . فالنهج القائم لا يضمن تفعيل أحلى الدساتير ولا يضمن احترامها ولا منع انتهاكها ، ولا تعديلها أو تعطيلها بجرة قلم ،



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات