التاريخ .. ما له وما عليه


لا يمكن لمؤرخ او باحث أن يحيط بكل المعلومات التاريخية أو حتى نصفها، فهنالك حقائق مدفونة في صدور الذين انتقلوا الى الرفيق الأعلى، ولا يمكن لأحد أن يصل إليها، ومن هنا فإن الحديث عن التاريخ يكون مجزوءا ويؤدي بالتالي الى عدم رضا الكثيرين عن ما يُنشر وما يُقال، هذا بالاضافة طبعاً إلى ميول ورغبات المؤرخ أوالباحث وانحيازه الى شريحة او أخرى، مع انتفاء الموضوعية عند بعض من يتحدثون عن الماضي، وبما ان التاريخ منقول شفوياً، فإن المبالغات سلباً او ايجاباً ستكون حاضرة، تماماً ككرة الثلج عندما تتدحرج؛ وعليه، فلا يمكن الاعتماد بشكل كلي على النقل الشفوي، ومن أراد أن يعرف الحقائق أو ما يتيسر منها فعليه الاستماع الى روايات متعددة ومن اطراف عديدة ومتناقضة، فيأخذ المشترك منها ويطرح الباقي جانباً أو يحتفظ بها لنفسه، هذا بالاضافة طبعا الى ما كتبه المؤرخون الذين عاصروا تلك الحقبة من التاريخ، مع ملاحظة أن ما كتبوه ليس كل الحقيقة، فهم ايضاً تدور حولهم شبهات وشكوك.

يقول الكاتب والروائي الشهير عبد الرحمن منيف:

"التاريخ قصة طويلة وحزينة ، تمتليء بالاكاذيب ، وقد كانت بهذا الشكل منذ البداية ، وسوف تستمر هكذا ... الكتب الموضوعة الآن رسمية ، كتبها الحكام ، كتبوها من زاوية مصلحتهم لتخدمهم ، أما الحقائق فإنها مطوية في صدور الناس ، ولا يمكن لضوء الشمس أن يصلها ، وستذهب مع هؤلاء عندما يموتون ".

وهذا ينطبق تماما على التاريخ الشعبي، لهذا، فإن من الخير لنا جميعا أن لا نجعل التاريخ اكبر همنا، فما نفع الماضي إن كان الحاضر على غير ما نشتهي؟ وما نفع الماضي إن كان الحاضر صورة مشوهة عن الماضي؟ وما نفع الماضي إن كان حاضرنا قاتماً ولا يبشر بخير؟ وما نفع الماضي إن لم يكن جسراً نعبر منه الى المستقبل؟

الماضي الذي ذهب بخيره وشره لم يكن جميلاً كما نتخيله، لكن آباءنا وأجدادنا اضفوا عليه مسحة من الجمال بأخلاقهم ودماثتهم وشموخهم برغم قسوة الحياة وصعوبتها، فقد تميزوا بالصبر والتسامح والمرونة والفطنة والكرم وطيب المعشر، كانت مهارات التواصل عندهم افضل بكثير مما هي عندنا، كانوا رجالاً، يتغاضون عن الزلات، لا يحقدون ولا يحسدون، السنتهم عفيفة وقلوبهم نظيفة، ليتنا ورثنا عنهم هذه الصفات.. ليتنا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات