عِليّة ابو راجي


عندما نتحدث عن عليّة سلامة الفريح حداد ( ابو راجي ) فنحن لا شعوريا نتحدث عن
محطة مضيئة من تاريخ مدينة السلط وحوش الحدادين بالتحديد حيث تقع العليّة باعتبار الحوش وبيت ابو راجي نموذجا لنمط فريد من اشكال العيش المبني على الحب الحقيقي
بين جميع سكان الحوش الذي ضم في أرجائه مسلمين ومسيحيين فلسطينيين وسريان وسرسك شكلوّا جميعهم وحدة اجتماعية متماسكة ...

أيامها كنت طفلا وكانت عليّة ابو راجي المطلّة على مقام الخضر عليه السلام هي البناية الأعلى ويجاورها بيت ابو أكرم سليمان السويلم حداد والذي يتكون من طابقين من الحجر الاصفر وبالقرب منه منزل عبد الله المحمود القطيشات.. كانت عائلة ام حمدان وعائلة عيوكّة وام حسن وكلهم من طيرة دندن قد سكنوا حوش الحدادين والذي تعود ملكية المنازل فيه الى عشيرة حداد الخضر المسيحية بعد ان طردهم اليهود عام 48 من فلسطين باستثناء دار الجغبير القريب من الحوش وهو ثالث اكبر بيت مبني من الحجارة في السلط وبيت عبد الحج حسن وبيت عبد الله المحمود من عشيرة القطيشات.
في الصباحات الدافئة كان ابو راجي يجلس على ( قصّة ) الشباك المرتفع والى جانبه ( دلّة ) القهوة التي صنعتها ام راجي بيديها على الحطب وكانت رائحة القهوة المنبعثة من منقل الحطب تغري المارّة لصعود الدرجات المؤدية للعليّة حيث يستقبلهم ابو راجي بوجهه البشوش وقمبازه الأنيق ساطع البياض وعباءته
( الخاشيّة ) ليحتسوا القهوة التي تفوح منها رائحة البهار وغالبا ما كانت أرغفة الخبز المقمّرالخارجة للتو من الفرن ومعها الزعتر البلدي وزيت الزيتون وما تيسر من( حواضرالبيت ) من أهم ما يقدمه ابو راجي للضيوف.

عليّة ابو راجي وعائلة ابو راجي من عشيرة حداد المسيحية كانت نموذجا لمنازل الحوش التي عاشت وشهدت الزمن الجميل الذي يقوم على المحبة والتكافل كان جميل المصلح ابو غازي مختار عشيرة القطيشات (المسلم ) ودار ابو راجي هذه العائلة المسيحية ( وحدة حال ) في السرّاء والضرّاء والحال ينطبق على دار ابو اكرم حداد ودار ابو العشاير ( اهل الخوري مروان ) ودارابو يعقوب ودار ابراهيم العايد ودار ابو ريان وام حمدان وعائلة السريانية ودار عبد الله المحمود القطيشات ودار ابو روحي .. هناك أمران محزن وآخر مفرح : أما المحزن فهو الحالة الرثة التي يعيشها حوش الحدادين الأن بعد ان هجره كل ساكنية وصار ملاذا لكل من هبّ ودب من عمالة وافدة لا تعبأ بالمكان ولا تحترم خصوصيته والثاني مفرح وهو هذا التواصل الرائع بين من بقي على قيد الحياة من ساكني حوش الحدادين والذين ما يزالون على خطا الأباء والأجداد يتزاورون ويتواصلون.

في الأعياد تحديدا وفي مناسبات الافراح والعزاء يلتقي من بقي من سكان حوش الحدادين وترى في وجوههم دموع التحسر على تلك الايام الماضية ولكن مشاعر فرحة اللقاء تطغى على الموقف ..
بعد مرور ستين عاما على ذكريات جمعتنا بحوش الحدادين ها هم ابناء ابو راجي واحفاده وابناء ابو اكرم سليمان السويلم وحفدته وابناء ابو العشاير وابناء عبد الله الجغبير وجورج الخليل والخوري طعمة وأبناء الشيخ
( شيخ دين ) عبد المحمود كاتب المقال وعبد الفتاح وعبد الكريم وعبدالله المحمود وابناء ابو عادل الفاخوري دكنجي حارة الخضر الأمين الصادق الذي كان يبيع الفواكه والخضار والمواد التموينية والكاز وابر الببور وكل احتياجات الناس ..هؤلاء كلهم على تواصل ولم تفرقّهم عاديات الزمن الرديء ولم يتأثروا بكل الدعوات الجاهلية التي تفرّق وتوهن جسد الامة فهل عرفتم لماذا تحدثت اليوم عن عليّة ابو راجي ... انها واحدة من الثوابت التي ربطتنا نحن ابناء السلط الى جانب الكثير من الثوابت والروابط الاخرى التي تجعلنا نشعر بالفخر والاعتزاز لانتمائنا لمدينة كانت وستظل تربأ بنفسها عن الخوض بقضايا ومسائل تجعل الاحرار والمثقفين يطأطئون رؤوسهم خجلا مما تمر به الامة من تمزّق وفرقة وشحناء .

فأين نحن اليوم من ذلك الزمن الجميل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات