سارقو الحزن


عندما كنت أشتري الملوخية أثناء دراساتي العليا في بريطانيا ، كان يقال لها بالإنجليزية "البقدونس اليهودي" ، واختصرت آنذاك القضية الفلسطينية في هذا الطبق فكان همّي أن أفهّم الإنجليز أن الملوخية هي طبق عربي محض.

ولعل هذا أبسط ما سرقه الصهاينة منا وليته توقف عند ذلك ، فهم بالأساس قاموا بأكبر سرقة ما زالت مستمرة في التاريخ الحديث ، فقد سرقوا بلداً بأكملها ، فدمروا ما يربو على أربعمائة قرية فلسطينية وتركوها خاوية أو شيدوا مكانها المستوطنات. وهدموا أو طردوا السكان من أحياء كاملة في القدس القديمة ، وسرقوا حائط البراق وسمّوه المبكى ، وسرقوا آثار المتحف الفلسطيني ومقابر المسلمين والأماكن التاريخية ، ومكتبة الأبحاث الفلسطينية إبان اجتياح بيروت عام ,1981

ولم يكتفوا بالأرض والماء ، بل واخترعوا تراثهم المزعوم ، وهويّتهم على أكتاف التراث والهويّة الفلسطينية ، فالفلافل والحمّص والتبّولة أصبحت أكلاتهم الشعبية ، والأزياء الفلسطينية التقليدية تلبسها مضيفات خطوط العال على أساس أنها أزياء تراثية يهودية ، والكوفية الفلسطينية السوداء صبغت باللون الأزرق لتصبح هي الأخرى يهودية.

حتى حزننا لم يسلم من سرقتهم ، واستكثروه على أطفالنا ، فتصدّرت مؤخراً صورة لطفلة فلسطينية تبكي بحرقة شديدة ، هذه الطفلة فقدت خمسة من أقربائها إبان الاعتداء الغاشم على غزة في مطلع عام 2009 ، وتصدّرت صورة الطفلة حملة دعائية لمنظمة صهيونية تعمل في الإغاثة اسمها (منظمة مائير بانيم) وتعني بالعربية - لسخرية القدر - الوجه المنير ، والحملة بعنوان أطعموا أطفال إسرائيل البؤساء الجائعين.

وأحدث سرقاتهم ، ضم الحرم الإبراهيمي وقبر راحيل ومسجد بلال بن رباح إلى ما يسمى بالتراث اليهودي وإغلاق باب العامود في القدس بحجة إجراء أعمال الترميم ، وكلنا يعرف أن هذا الإجراء هو بروفة أوليّة لضم الأقصى في وقت ليس بالبعيد. وأطماعهم لا تعرف حدودا ، فهم ما زالوا يناوشون على الحدود اللبنانية وعينهم على مصادر المياه.

وكان رد الأمة العربية على هذه الإجراءات بمكافأة إسرائيل من خلال جامعة الدول العربية بأن أعطت غطاء لإطلاق مفاوضات غير مباشرة بين السلطة والكيان الفلسطيني ، وللأسف خرج علينا أمين عام الجامعة ليقول "أننا بهذا نعطي الولايات المتحدة فرصة أخيرة لتحقيق السلام" ، أليس من الأجدى لو قال: "أن الولايات المتحدة أعطتنا الفرصة الأخيرة لتحقيق السلام". كل هذا وليت الصهاينة يرضون ، بل ردّوا علينا بخطتهم لبناء خمسين ألف وحدة في القدس الشرقية لتمعن في إذلالنا وإهانتنا وهم يضمنون أننا "جانحون إلى السلم" مهما كان الثمن.

وإزاء إصرارنا الشديد والضغط الأمريكي على إسرائيل ستستمر المفاوضات ، وأذكّر مفاوضينا أن يعدّوا أصابعهم بعد التوقيع على اتفاقية تصفية القضية الفلسطينية التي سنشهدها قريباً ، فحلفاؤهم ينطبق عليهم قول الشاعر:

ولو عند التحية صافحونا

لسلبوا من خواتمنا الفصوص

الدستور



تعليقات القراء

Samer Ahmed - England
Don't worry about our negotiators, they are used to stealing things, the other side is specialised in stealing the land and our negotiators will be happy with the money
14-03-2010 01:57 PM
محمد دستوري
مشكور يا استاذ
فعلا حطيت ايدك على الجرح
بس مين يسمع
16-03-2010 10:35 AM
محمد دستوري
مشكور يا استاذ
فعلا حطيت ايدك على الجرح
بس مين يسمع
16-03-2010 10:37 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات