خواطر فى ذكرى تفجيرات عمان 9 تشرين ثاني 2005


اذكر جيدا هذه اللحظات المؤلمة التي اختبرناها كأسرة حين سمعنا الاخبار التي اعتصر لها قلبنا ألما و حزنا على ما اصاب بلادنا المسالمة الحبيبة.

فحينها كنا في طريقنا الى عمان لشراء قالب حلوة لنحتفل بعيد ميلاد شقيقتي. فكنا فريحين بهذه المناسبة حيث كنا سنجتمع كاسرة واحدة للاحتفال بشقيقتي و لنمضي برفقتها الأوقات الجميلة بهذه الأمسية. و لكن فجأة استوقفت السير على طريق البكالوريا دورية للشرطة. و كانت تسأل سائقي المركبات جميعهم عن الرخص وهويات الركاب المرافقين. و بعد ابراز هوياتنا لهم مضينا في طريقنا متسائلين حينها عن سبب هذه الدورية التي لم نعتاد ان تلاقينا بهذه المنطقة بطريق الذهاب خارج الفحيص. و من بعدها مباشرة سمعنا على نشرات الاخبار الأنباء المفجعة...فقد شهدت اكبر فنادق عاصمتنا الحبيبة المسالمة عمان تفجيرات من صنع بشر آثم حاقد لا يعرف لله و لا لعبادته سبيلا...

عدنا الى منزلنا و تابعنا الاخبار بحزن و ترقب. و كانت الصدمة شديدة علينا جميعا. فانا موظف فندقي منذ عام 1994 و قد عملت بارقى فنادق عاصمتنا عمان الى عام 2010 حيث تركت المجال الفندقي لاتابع نشاط شركة اسرتي الخاص. و لكن حين حدوث هذه التفجيرات كنت في ذروة نشاطي الفندقي و كنت اعمل في فندق من فئة الخمسة نجوم في عمان. و اذكر كمية القهر الكبيرة التي زلزلت كياني و انا انظر الى حجم الدمار الذي خلفته التفحيرات الهمجية. ففي فنادق

الراديسون ساس (سابقا) و ديز إن و جراند حياة لم تطال الهجمات الا الارواح البشرية البريئة التي كانت تزور مملكتنا، و لم تفرق القنابل التي فجرها الارهابيون عن طريق الاحزمة الناسفة بين مسلم و مسيحي و بهودي و بودي و وثني و هندوسي..بل طالت الحياة البشرية و الانسانية التي خلقها الله و باركها و حرم انتهاك حرمتها في كل الاديان السماوية، طالت حياة بشرية بريئة مسالمة كانت تباشر اعمالها في مدينة تجتمع تحت سماءها السرمدية مختلف جنسيات البشر و دياناتها فقد حولتها الارادة الملكية الى واحة امن و استقرار في التآخي و التسامح الديني و العيش السلمي المشترك بين اجناس البشر. فالاردن كان مثال راقي للعالم كله للتعاش السلمي و الأمن و الاستقرار بشهادة من عاش و أكل من خيراته و ذاق طعم الطمأنينة في ربوعه...بشهادة ابنائه و ضيوفه الذين ذاقوا قهوة الترحاب على ايدي ابناءه...

لماذا القساوة على جنس البشر؟ لو سألنا الاطباء الذين درسوا الطب العام لمدة اربعة سنين السؤال الآتي...حينما قمتم بتشريح جثث البشر لأغراض الدراسة الطبية هل اختلفت اعضاء جثة عن جثة آخرى؟ ام هل افرقت معكم اذا كانت الجثث مسيحية ام مسلمة ام لشخصيات يهودية...سيقولون لي "لا...فكل جثث الرجال لها نفس الاعضاء و السمات و كل جثث النساء لها نفس الاعضاء و السمات"...فهذه عطايا ربانية لا تختلف باختلاف الديانات و الاعراق البشرية. لذلك اذا اخذنا الدواء كترياق لداء معين فإنه يعمل نفس العمل و بنفس الكفاءة في كل اجساد البشر فالله اعطى نعمة الشفاء لكل ابناء آدم بلا تميز فلا نرى اليهود يخفون من الامراض و المسيحيون لا....و لنا كبشر نفس الضعف امام الامراض و لنا جميعا جسد من لحم و دم و روح تسكن الجسد و نفس بشرية... و انا سأكمل الاجابة و أقول ايضا لأننا كبشر سواسية امام الله لا نختلف عن بعض و لنا رب واحد نعبده جل جلاله و هو خالقنا و هو ديان علينا بما انه الخالق كامل الجوهر و الصفات فالكامل يحق له وحده ادانة البشرية الناقصة عنه فلا يعقل ان يقوم بدينونة الناس بشر ناقص مثلهم...و إلا لما فرز الله يوم الدينونة لكي يباشر عمله كديان للانسانية...فإذا قام هاؤلاء المتعصبين بقتل البشر و انتهاك حرمة الانسانية التي خصها الله بارقى مقومات الحياة فماذا تركوا لله عز و جل...حتى الله قدر حرية البشر من فيض حبه على انسانيته و اعطاها حرية التساؤل و البحث و الاختيار و حرية التفكير...فللانسان عقل مفكر و نفس خالدة و ارادة حرة ليعيش بحرية و يختار بحرية و يفكر بحرية و بلا قيود...لذلك تتنوع المذاهب الفكرية و الايديولوجات و الفلسفات و الديانات ببن البشر...فلكل منا وجهة نظره و قناعاته و حريته...أليست هذه لمسات عاقلة من الله؟ اعطانا الله ان تكون فينا بما انه هو امتلكها في ذاته الإلهية قبلنا. فكيف لله ان يعطينا هذه الصفات العاقلة ان لم يتصف هو بها اولا. هل يمتلك الانسان العقلانية دون خالقه...حاشا فالله واهب العقل و مصدره و هو خالقه لانه اعقل كل شيئ قبلنا. اخضعها لمنطقه الالهي ثم اعطانا...فهل تكون لدينا كبشر صفة العقل الراقية و لا يمتلكها الله؟ كيف لنا لنقول ان الله غير عاقل؟ كيف لنا ان نقول ان الله لا يقدر ان يفعل ما يشاء؟ كيف لنا ان نقول بأن الله لا يمتلك هذه الصفات؟ بل نستطيع ان نقول بان الله ينبوع العقلانية و المنطق و الحرية و الخير و البركات و المراحم. و بما ان هذه هي صفات ربانية راقية اعطانا لمسة منها في حياتنا. فخلق فينا العقل المفكر لنستطيع ادراك رقي عمله و خلقه في الكون و في عالمنا. و اعطانا الحرية لنختار لأنه احبنا حبا كبيرا و احب ان نتصف بأرقي الصفات الممكنة...لان حرية التفكير ينتج عنها حرية الارادة التي تنتج عن العقل...ثم خلق فينا النفس الحية...لنحيا بخلود معه في الآخرة الصالحة...فلذلك بما ان الله المنبع و الاساس يحق له وحده دينونة البشر فكيف سيعطي سلطاته للبشر المخلوقين من مشيئة لحم و دم؟ هل يدين البشر بشر ناقص مثلهم؟ يا ليت لو نعرف حجمنا كبشر و نترك سلطات الله له وحده سبحانه.

تركت الفندق الذي كنت اعمل به بعد تفحيرات عمان بستة اشهر. و قبلت عرض وظيفي في فندق آخر من فئة الخمسة نجوم ايضا. فشعرت بأن العرض الوظيفي الجديد سيوفر لي تحدي مهني جديد كنت ابحث عنه منذ فترة حينها. و طلب مني الفندق الجديد بعض الاوراق الروتينية الضرورية لكي يتمم تعيني. و من بين هذه الاوراق الروتينية ورقة عدم المحكومية. فاتجهت الى محكمة السلط لابدأ بمعاملة هذه الورقة. فدخلت عند الموظفين المعنيين و قمت بالاجراءات الضرورية.

و من ثم اتجهت الى مركز امن السلط كما تقتضي المعاملة لكي استلم الشهادة المطلوبة. و بعد بضعة ايام عدت الى محكمة السلط مرة آخرى و دخلت غرفة مسؤل في المحكمة ليوقع على المعاملة. لا اذكر صفته المهنية بالضبط و لكن غالبا كان قاضي من القضاة، و الذي انا متأكد منه انه كان ذو هيبة فكان مكتبه فاخر و كان عنده لفيف من الشخصيات الجالسين على طقم الكنب في مكتبه. كانوا يضحكون جميعا على حديث كان يدور بينهم. فاستأذنت بالدخول. و بعد السلام عليهم طلبت توقيع القاضي على معاملتي. فقابلني بابتسامة لطيفة و سألني عن السبب الذي دفعني لاطلب اصدار ورقة عدم المحكومية. فقلت له بأنني اريدها لوظيفة فندقية. و سألني عن اسم الفندق. فاخبرته لأجد تعليقا ساخرا من احد الجالسين على الكنب. فاجابني "يا أخي ليفجروك مثل ما عملوا من شهرين زمن في هالفنادق..." فضحك كل لأشعر بإستياء منهم جميعا. لم اقابل هذا التعليق الساخر بابتسامة...و لم اجاملهم عليه اطلاقا. فدماء زملائي من موظفين الفندقة و دماء ضيوف بلدي لم تكن حينها قد بردت على ارض عمان و فنادقها بعد...فأجبتهم اجابة انطلقت كالصرخة المتألمة من صميم فؤادي و قلت "سنبقى نرحب بضيوف المملكة الاردنية الهاشمية شأوا أم أبوا"...بل لو طلب مني الدهر لكتبتها بدمائي على جدران الزمن الذي غدر سلامك يا عمان في التاسع من تشرين الثاني من عام 2005 "سنبقى نرحب بضيوف المملكة شأوا أم أبوا."

عشت يا اردن حرا عربيا هاشميا و كما عهدناك عصيا بوجه الريح و بإذن الله تعالى ستبقى حربة من فولاذ مغروسة بقلب من يكرهك و يكره السلام الذي يسكن احياءك العامرة...حرسك الله يا اردن من كل مكروه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات