زميلي الصحفـي .. نشر صور ضحايـا العُنف ليس سبقًا صحفياً .. جريمة طبربور مثالاً


جراسا -

كتب : محمـد منصـور الكفـاوين

لم يتوقف الجدل بين ممارسي مهنة الصحافة و مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي ، حول مدى أخلاقية ومهنية نشر صور جرائم القتل وضحايا أعمال العنف ، وتزايد ذلك الجدل في الفترة الأخيرة مع إرتفاع وتيرة أعمال العنف بمختلف أسبابها و دوافعهـا .

ولعل أقربها كان يوم أمس ، و المتمثل بنشر صورة ضحية " جريمة طبربور " و ما تلاه من نشر صور جديدة من موقع الجريمة " للمغدورة ورأسها مفصول عن جسدها "غابت عن ناشريها الإنسانية و المهنية بكافة أشكالها، و كان قد أعقب ذلك بأشهر ،قيام بعض وسائل الإعلام المُحترفة بنشر أسماء "شهداء عملية الرقبان " قبل إبلاغ ذويهم من قبل الجيش أو قبل إصدار بيان رسمي ! والذي أظهر مدى الحاجة المُلحة إلى "مدونة سلوك " خاصة بنشر مثل هذه المواد و الصور والضحايا .

يؤسفنا ؛ و في ظل غياب قوانين أو حتى ميثاق صحفي يُوضح قواعد نشر مثل هذه المواد ؛ وَجدت من تسمي نفسها مواقع أخبارية في مواجهة مع مواقع التواصل الإجتماعي التي تنشر مثل تلك المواد عليها بشكل متزايد ، وهو ما يقابله تعاطف و تفاعل واسع من قبل المتلقي، ويضع من تسمي نفسها بوسائل الإعلام في إشكالية بين المنافسة والسبق والالتزام بأخلاقيات المهنة. حتى أصبح الأمر لا يتعدى إطار المنافسة تاركين خلفهم أخلاقيات الصحافة ومشاعر ذوي الضحية .

وحتى مواقع التواصل الاجتماعي ، كالفيسبوك و التويتر، لديها قواعد لنشر صور العنف، فأغلبها يمنع نشر مثل تلك الصور ويسمح للمستخدمين بالإبلاغ عن الصور المخالفة، إلا أن أغلب نُشطاء هذه المواقع و روادها لا يمتثلون لهذه القواعد ، باحثين عن السبوقات الصحفية و عن " أعلى نسب مُشاهدة " وخاصة مع ضخامة المادة المنشورة و كونها تمثل مادّة دسمة بالنسبة لهم .

وبذات السياق ، و بتزايد نسبة الجريمة في الأردن ، بشكل ملحوظٍ جدا في السنوات الأخيرة ، طرح الأحداث الأخيرة وما فرضته من تزايد في صور القتلى عبر وسائل الإعلام سؤالاً حول الكيفية التي ينبغي للصحفيين التعامل مع هذه الصور المليئة بالعنف الصارخ؟ ومتى يمكن اعتبار عرض صور القتلى والجرحى والضحايا مقبولا أخلاقيا، ومتى يعد ذلك إثارة بحتة ؟

في الصحافة الأردنيّة ، لا يوجد إجابة واضحة على الأسئلة الشائكة أعلاه ، فكل وسيلة تضع قواعد خاصة بها و بمحرروها ضمن سياستها التحريريّة التي ترتئي العمل بمقتضاها، كون أن هذه الأسئلة الشائكة تُثار للمرة الاولى في الأردن ، الأمر الذي يدعو و بشكل ملح إلى صياغة "مدونة سلوك " خاصة بنشر مثل هذه المواد و الصور والضحايا ، هذه التساؤلات كانت مُثارة منذ فترة طويلة في وسائل الإعلام العالمية، التي وجدت نفسها في مأزق مهني بعد حادث إغتيال الرئيس الليبي السابق “معمر القذافي” وما تلا ذلك من نشر واسع النطاق لعملية إعدامه البشعة، وما سبق ذلك من بث حي لإعدام الرئيس العراقي الأسبق" صدام حسين"، وهي نفسها الأسئلة التي تثار بشكل مستمر مع تصاعد الصراع المسلح في سوريا ، وخاصة مع تكرار نشر صور جُثث الأطفال بشكل واسع النطاق من قبل المعارضة السورية و وسائل الإعلام الداعمة لها.

لا يغيب عن بال جميع ممتهنـي الصحافة ، و بخصوص نشر صور العنف ،أنه يستوجب على الصحفي قبل النشر أن يتأكد من أن الصورة تحتوي على معلومات ذات صلة، وأنها تصف حالة تستحق التطرق إليها أو تجاوزات أخرى، وألّا يتم اختيار الصورة لمجرد دوافع الإثارة الإعلاميّة ، وهي نفسها القواعد البديهية الأولى التي يتم علي أساسها اختيار الصورة الصحفية، ويشترط لنشر صور العنف أن يتاكد المحرر أولا من أنه لا يمكن للوصف بالكلمات أن يغني عنها، ففي حالة إمكانية الاستغناء عن الصورة بالوصف يفضل عدم نشر الصورة.

و كما هو المعروف بضرورة، تحري الدقة في نشر معلومات الصورة عمومًا والصور التي تحمل عنفًا واضحًا خصوصًا هو حق أصيل للقارئ، يفرض على المحرر التركيز بالكامل على الصورة وسياقها، وأن لا يدع خبرات نشر سابقة لوسائل إعلامية أو شبكات تواصل اجتماعي أخرى أن تؤثر عليه ويكون ذلك باستقصاء كافة المعلومات حول الصورة،أو يتبى صورة أو خبراً نُشرت على وساءل التواصل على أنها خبر و يقوم بنشره !

أحيانًا تلجأ وسائل الإعلام " المحترفة " لإستخدام صور عنف قديمة، هو أحد أبواب الإثارة الصحفية التي يغيب عنها جوّ المهنية ؛بحثاً عن السبوقات ، فيتم إستخدام صورة لا تعود للخبر تحتوي على لقطات عنف لجذب الإنتباه .
في حالات العنف و المشاجرات المسلحة ، الحفاظ علي هوية ضحايا العنف حق لهم لا يمكن التفريط فيه، فينبغي على الصحفي التحقق إذا كان من الممكن التعرف على هوية الضحايا الظاهرة في الصورة، (والعمل على جعل الوجوه غير واضحة المعالم على الأقل). هذا الأمر ينطبق بشكل خاص على صور الموتى بداعي مراعاة حرمة الموتى ومشاعر
ذويهم و كرامة الإنسانية على حد سواء .

الأ أن الأمر يختلف في حالات الإنتحارأو القتل - كما في جريمة طبربور- فلا يجوز بأي حال من الأحوال نشر صور الموتى في حالات الإنتحار و القتل ؛ و على الرغم من أن قوانين العديد من الدول الاوربية تمنع ذلك، الأ أنه في الصحافة الأردنية لا يوجد قانون يمنع ذلك !

نشر صور العنف يؤدي إلى استهلاك تأثير صدمتها وتراجع وظيفتها في تحريك تعاطف المتلقين، ووفقاً لذلك يجب عليه أن يتأكد من أن نشر الصورة في هذه الحالة ضروري ومفيد.

في النهاية ،، الأمر يحتاج إلى عملية جراحية ، تردع مثل هذه الممارسات الصحفيّة الخاطئة ، أما التلهي بالمُسكنـات " حظر النشـر"، فهو الموت البطيء لوسائل إعلامنا ، فهـل من جـرّاح مـاهر ؟!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات