عبد الباري .. الفحّاح الردّاح


هذا عهدنا بفحّاحات السحرة والطبّارين, تقبع في "قبعة قش" رخيصة, تنتظر الصدح الأول لمزامير الحواة وباعة التجارة البور, لتندفع بالرأس المفلطح واللسان المشعب المطواع من أسفل القاع, يجر مرن الجسد المتلوّي مع المزمار ورغبة صاحبه, بحركات أفعوانية لا يغادرها الإيقاع المضبوط, مثل رقصة طبّال أخذه الحماس فتسلل عبر صفوف فرقته, ليتحف الحضور والدافعين ببعض بهلوانيته, وخير ما في هذا العرض السمج, أنه ينتهي عندما يصمت المزمار, وتعود الفحّاحة الى القاع عندما يتوقف صاحبها عن التهريج. ولا بد والحالة هذه, ان أضيف في وصف المشهد, أن يتشارك الفحاحون برائحة الجسد الرطب, مع راقصات الصف العاشر من وسط معروف, ينفر منها حتى أولئك الملوحون بأذرعتهم الأخطبوطية وشهوتهم الحيوانية, تهوي الى صدورهن العارية ببعض النقد من كل عملة, على أصوات السكارى وآهات من عمّروها سلفا بالكيف المضروب.

ينشز أحد هذه الفحّاح الردّاح, قبل أيام: ( قضيت بضعة أيام في الأردن الذي زرته مدعوا من الأمم المتحدة للحديث في ندوة مغلقة للخبراء عن أوضاع المنطقة، خاصة في سورية والعراق ولبنان وتركيا، علاوة على فلسطين المحتلة، والتقيت في عمان العاصمة بمعظم قيادات النخبة السياسية، وعدد كبير من رؤوساء الوزراء، والوزراء، ورجال اعلام واكاديميين، وعدت بذخيرة كبيرة من الآراء والتوقعات والمعلومات ومعظمها متشائمة، بالإضافة الى ثلاثة كيلوغرامات من الوزن الزائد، تركزت في محيط الخصر (الكرش) بسبب كثرة الدعوات (كانت تقتصر في الماضي على الغداء والعشاء واضيف اليها الفطور حاليا)، واعجبني احد الظرفاء الذي قال “من لا يعاني من الكولسترول ليس رجلا وليس منا”.(
وهذا عهدنا بهذا الفحّاح بالذات, الذي يحمل السم في نابه المجوف, وقلمه الرخيص المتكسب, ذي العُقد, كعقرب تتجنب هرسه بساطير أردنية كثيرة, لعدم الإهتمام والتقزز, أن يبدأ, مثل كل مرة, بالنرجسية المرضية الى حد يبعث على الشفقة والاشمئزاز, للإسهاب بأهميته وأسطورية جمهوره ومن يستقبله ومن يودعه من كبار, ومن يسرّ له ويمنحه الحظوة ويولم لقدومه, حتى أنه يعترف مرغما بكرم أردني كبير, مطّ نطاق كرشه على مقياس الطفاسة والجشع, الى +3 كيلوغرام, في ظرف أسبوع واحد فقط.

ويستمر هذا الناكر للجميل, بالحديث, مدّعيا, ان شخصية مهمة من رجال السياسة والفكر, برتبة صاحب دولة أردنية, قد خصّه بما لم يخصّ به غيره, وملخصه, أن الوضع الأردني العام, مقلق ولا يبشر بخير, وأن اقتصادنا ومصير دولتنا قد باتا أمام منعرج مصيري ضيق لا مخرج منه, الا احدى اثنتين: إمتهان الدعارة وتفريخ مواخيرها والاستثمار بحياة الليل وبيع الشرف وكرامة الحرات, او, الانصياع لرغبات الحواة ونافخي مزماره النشاز, ليشرع الأردن أبوابه أمام طغيان طائفي بغيض, وتجنيهم على الحسين وآل البيت الأطهار, ولطميتهم المشهورة التي تهرق الدماء وتستبيح قدسية الجسد والروح, للحج الديني او السياحة الدينية كما سمّاها, الى مقامات الصحابة التي يزخر بها الأردن.

لا نستطيع من هذا الموقع المراقب, أن نحدد صدق او كذب هذا الفحّاح الردّاح, ومدى موضوعية أقواله هذه ونسبها للشخصية المهمة التي ادّعاها, ولكننا وبالتأكيد وبالخبرة بصاحبنا هذا, وكذبه ورخص دواعيه ورسائله بين الحين والآخر, لا نجد صعوبة بضبطه متلبسا بكبيرة الفحش الفكري وأسلوبه البخس للبهرجة الإعلامية ونهج الطقاقات المنتظرة للبخشيش الدسم او المشبِع بحده الأدني, وعلى نهج السيرة الأولى: يا غلام, أنقده ألف دينار, او حتى ضبط صيوان أذنه على خرخشة كيس الفكة المربوط, يُقذف اليه من بعيد, مثل جعاري أجرب يحترس الجميع من ملامسته او مداناته, لخطر العدوى او العض.

الأرادنة يا هذا البغيض, يصبرون على الطوى, وفي حين يتمنطقون بالإيمان وحب الوطن والحرص عليه, وحجر الجوع والفاقة, برباطة جأش وانتماء حقيقي, يبحث عن نظيره, يربط أمثالك, وسطهم بحزام الرذيلة والردح المدفوع, ويهزون على أنغام من أرسلك وحملك المهمة والخبث, وفي حين يملؤون شدقيك بدسم الكرم وأمعائك بثلاثة كيلوات من السُمنة اضطرتك لتغيير الحزام وعراوي السروال, فإنك تتجشأ نحوهم قرفك وفحيحك وتعض الكفوف الكريمة المعطاءة, وترمي تحت أقدامهم "حصوة الذلّال" وتنتظر السحت من أسيادك.
ولقد أتيت بهذا أمرا فريا, مرسالا للسفاهة والسفهاء, متناسيا معرفتك بالأردن والارادنة, غير أبه بمن استقبلوك وأكرموك, رغم معرفتهم بك وبأهدافك "الرزيلة".

يحتج الأردنيون على الفساد والفاسدين ويدارون غضبهم على من سرق وباع واستشاع الكثير في وطنهم, ويقبضون ببطولة على جمره وسلامته, فيتركون الربيع ربيعا, والسوسن سوسنا والدحنون دحنونا, درءا للضُرّ والضرر, وذودا عن حياض ومنجزات, طالما حموها بالدم والعرق والعطاء المستديم,

ولكنهم, وكما تعلم وأمثالك, لا يساومون على كرامة, ولا يتاجرون بطهر وعفة, ولا يأكلون باثدائهم وعزة نفوسهم, ولا هم مستعدون لبيع جعفر الطيار وثلته والكرك او غيرها, ولا مبدأ أهل الارض والدار, لدافع او مستجد او لاطم طبّار, معتقد أن ملياراته كلها, تساوي عند طفل أردني واحد, أكثر من: الموت ولا المذلة, أو حداء كريم او كريمة: هذي بلدنا وما نخون عهودها.

وينهي هذا الموتور الطرطور وغير المستور, عبد القرش والأعاطي, طابق الردح وهز الوسط بأمنية للمعازيب, ونحن نعرف أنه لا يعنيها, بل يتمنى عكسها: (في خطابه الذي القاه العاهل الأردني عبد الله الثاني امام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) الماضي، قال انه يأتي الى هذا المنبر الاممي بينما تشهد بلاده انتخابات برلمانية حرة في منطقة تعيش الحروب والاضطرابات وانعدام الاستقرار.

العاهل الأردني كان مصيبا فيما قاله، وطرح واقعا حقيقيا لا جدال فيه، ولكن هل يستمر هذا الواقع.. ولمدة كم سنة؟ وهل سيتجاوز الأردن ازماته، وحقول الألغام الإقليمية والدولية التي يسير وسطها على رؤوس أصابع قدميه، ويصل الى بر الأمان سليما معافى؟ نتمنى ذلك.

تعرف أيها الخسيس...يا عبد القرش, إن دون الأردن خرط القتاد, وأن الارادنة لا يكتفون بالتمني, ولا هم أبدا أمام الإختيار بين الدعارة والتجارة, بل أن خيارهم وديدنهم الوحيد الأوحد: الأردن والكرامة...ودونهما تسقط كل هامة, وما هي الا احدى اثنتين فعلا: الوطن أو الشهادة.

ونحن نترفّع بسموّ الأردن وشموخ نشمياته ونشاماه, عن ردح الفحّاح الردّاح وتلوي الأفعوان, وذكر اسمه حتى, فلا غرو أن نُذكّره ومن أرسله, ومن يلوّح بسداد كامل مديونيتنا, لا كثّر الله خيرهم, بمأثورة لشيخ شهداء الوطن, وصفي التل, إذ قال: وُلد الأردن في النار, ولكنه لم ولن يحترق.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات