تصفيق حاد


جلس كلّ افراد العائلة التسعة بانتظار ربّ العائلة الذي دعاهم الى جلسة طارئة لمناقشة امور تهمّ العائلة ، أو هكذا قال لأمّ الأولاد التي أخبرت بناتها الثلاث وأولادها الخمسة ، وقالت بأنّ عليهم جميعا الحضور للأهمية . دخل عليهم والدهم وقد أصلح من وضعيّة عقاله على كوفيته ، ثمّ سلّم وجلس متربعا في وسط الغرفة الكبيرة وجال بنظره عليهم ، وكانوا جميعا ينتظرون بهدوء أن يبدأ كلامه ، ليعرفوا الأمر الهام الذي لا يمكن تأجيله ، فبعضهم عليه واجبات دراسيّة والآخرين يريدون متابعة المسلسل التركي ، والولد الأصغر يقلّب بين يديه جهاز هاتف يرسل له أصدقاءه من خلاله أخبارهم وصورهم . والبنت الوسطى لم تكمل غسل الصحون ، مما سيعرّضها لتوبيخ أمّها التي تقول عنها دائما أنّها لا تصلح لشيء ، فكيف ستخدم زوجها وأولادها ان هي تزّوجت .
تنحنح الأب وقال ، بعد بسم الله الرحمن الرحيم ، تعلمون يا أفراد أسرتي الكبيرة الكريمة ، يا أيّها الاولاد والبنات والأم الرؤوم أنني أحبّكم كثيرا ، وأحبّ كلّ فرد من أفراد هذه الأسرة التي يشكّل الشباب فيها الغالبية ، ومع أنّها أسرة كبيرة الاّ أننا والحمد لله ولغاية الآن نعيش برغد رغم الظروف القاسية . اننا نمّر في هذه الأيّام بضائقة ماليّة نظرا لارتفاع أسعار كلّ شيء ، المواد التموينيّة والملابس والكهرباء والوقود وكلّ ما تحتاجه أسرتنا الحبيبة من أجل أن تعيش حياتها ، وأنا لم أعد أقوى على مجاراة ذلك , لأنّ الراتب لم يرتفع مقداره فلسا واحدا منذ زمن ، لأنّ الدولة في ضائقة ماليّة هي الأخرى . انتبهت البنت الكبرى المتعطّلة عن العمل لذكر الدولة فزّمت شفتيها ، وبلعت ريقها ، وشربت من كأس الماء رشفة .
أستمر الوالد قائلا ، لا نستطيع أن نبقى رهينة للاستدانة من هنا وهناك ، لأننا لم نعد نستطيع أن ندفع للدائنين أي مبلغ من ديوننا المتراكمة علينا ، لذلك فانّي أعلن عن اجراءات تقشفيّة سأبدأها بنفسي . لن يتم شراء أي ملابس لأيّ فرد منّا هذه السنة ، وسنقلل من شراء الخضراوات من السوق ، ولن نشتري بطاقات للهواتف التي بأيديكم الاّ للضرورة القصوى ، مع أنّي لا أرى أي ضرورة لها . أعجبت الفكرة الأم فتبسّمت موافقة . شكرها زوجها بنظرة منه ، وقال يا أسرتي الكريمة ، انّ الوضع الحالي لنا يحتاج من الجميع أن يقف موقفا مشرّفا وعلى الجميع أن لا يطلبوا منّي مصروفا أكثر مما ينبغي ، وعليكم أن تبحثوا عن بدائل لاحتياجاتكم ، فكرامتي لا تسمح لي بالاستدانة أكثر مما أخذته من البنوك والناس .
سكت ربّ الدار ، وسكت اثنين من أولاده وابنته الكبرى الذين تخرّجوا من الجامعة منذ سنوات ولم يجدوا عملا ، ولن يحصلوا عليه قريبا ، وسكت باقي أبناءه ، الذين لا يزالون على مقاعد الدراسة وهم يفكّرون كيف سيتدبّرون أمر المصروف اليومي . وضربت الأم كفّا بكف ، ليس تصفيقا لأحد ولكن حيرة وحسرة فمتطلبات الحياة كثيرة ، والأولاد لا يرحمون وسيطلبون منها ان لم يستطع أباهم تلبية رغباتهم .
انتبهوا جميعا للخبر الذي يبّث في التلفاز عن المؤتمر الهام حول دور الشباب في التنمية ، والذي ألقى فيه المسؤول الكبير خطابا تحدّث فيه عن العيش الكريم لأبناء وطنه ، والوعد بأن قادم الأيّام ستكون حبلى بالمفاجآت السارة للمواطنين جميعا ، وأنّهم سيعيشون في رغد ، وما عليهم الاّ أن يصبروا ويتحمّلوا ، فالحكومة مضطرّة لرفع الأسعار مع الاعتذار عن زيادة الرواتب . وما أن أنهى كبير المسؤولين كلامه حتّى دوّى تصفيق حاد من الحضور في القاعة المكيّفة ، لا يقطعه الاّ اصلاح وضعيّة ربطة العنق التي تطوّق رقابهم . ثمّ ودّعوا المسؤول الكبير بالحفاوة التي استقبلوه بها ، وركب هو سيّارته الفارهة ومن أمامها وخلفها سيّارات المرافقين الخاصين له .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات