العلاف : الفساد في الأردن تحت السيطرة


جراسا -

أكد رئيس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد محمد العلاف أن الهيئة تسعى من خلال تكثيف تواصلها مع كافة شرائح المجتمع إلى نشر فكرة النزاهة والشفافية وتسليط الأضواء على مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص ومحاربة الفساد بكل أشكاله وصوره وممارساته وصولاً إلى مجتمع يرفض الفساد ويتعامل معه كعيب تنبذه الأديان والقيّم الأخلاقية .

وقال في محاضرة ألقاها اليوم في المشاركين في دورة الدفاع الوطني 14 ودورة الحرب 23 في كلية الدفاع الوطني أن النزاهة ومكافحة الفساد عنوان عريض يحمل في طياته معانٍ كثيرة وكبيرة نحن في هذه المرحلة في أمس الحاجة إليها لاستكمال ودفع مسيرة الإصلاح الشامل الذي يريده جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه .

وأضاف أن الهيئة تبذل جهوداً حثيثة لتهيئة بيئة مناهضة للفساد بشكل تلقائي وغريزي لأن البيئة الأردنية في الأصل كانت قبل ثلاثة عقود تتمسك بقيّم النزاهة الدينية والمجتمعية والتراثية وترفض كل أشكال الفساد ، ولكن طغيان القيّم المادية على بيئتنا جراء تفشي البطالة والفقر وغياب بعض جوانب العدالة والمساواة وانعدام مساءلة الفاسدين أو المقصرين والتهاون معهم ، كل ذلك ساهم في تفشي ظاهرة الفساد التي سنعمل بكل جدية على محاربتها حيث نعتبرها تحدياً حقيقياً يواجه هيئة النزاهة ومكافحة الفساد للسنوات العشر القادمة وهو تحدٍ سياسي ، أمني ومجتمعي مركب ، يفرض بطبيعة تكوينه سلسلة مترابطة لتحديات أخرى متنوعة إذا نجحنا في التصدي لها نكون قد خطونا خطوات متعددة على طريق الإصلاح المنشود .

وبيّن قانون الهيئة رقم 13 لسنة 2016 رتب على الهيئة بمجرد وضعه في حيز التنفيذ في الخامس عشر من حزيران الماضي مسؤوليات جسام تتلخص في إدارة وتطبيق النزاهة الوطنية والعمل على تفعيل منظومة القيّم والقواعد السلوكية والتأكد من التزام الإدارة العامة بمبادئ الحوكمة الرشيدة وبمعايير المساواة والجدارة في تطبيقها للتشريعات وكذلك التأكد من وجود إطارات قانونية تنظم مساءلة متخذي القرار .

يضاف إلى ذلك أن القانون رتّب علينا مسؤولية مراقبة التزام الإدارة والمسؤولين بمبادئ النزاهة بصرف النظر عن مناصبهم أو وظائفهم أو مكانتهم الإجتماعية .

وقال إن دخول الهيئة في مرحلة تحوّل جديدة وواسعة النطاق حمّلها مسؤوليات أساسية جديدة شكلت إضافة نوعية لهذه الهيئة التي حلّت مكان هيئة مكافحة الفساد وديوان المظالم السابقين .. وللتكيّف مع هذه المسؤوليات تمّ استحداث مديريات متخصصة تعمل بالاشتراك مع شركاء الهيئة الاستراتيجيين على وضع استراتيجية جديدة للنزاهة الوطنية ومكافحة الفساد آخذه بعين الاعتبار مرتكزات النزاهة التي نص عليها ميثاق النزاهة الوطني الذي جاء منسجماً مع تطلعات جلالة الملك حيث يجري العمل على وضع استراتيجية وطنية جديدة طموحة للنزاهة ومكافحة الفساد يتجاوز إطارها الزمني العشر سنوات ويبدأ تنفيذها بإذن الله مطلع العام المقبل ، تشتمل على ثمانية محاور هي : التوعية والوقاية ، النزاهة الوطنية ، سيادة وإنفاذ القانون ، أحكام التشريعات التي تحكم أداء الإدارة العامة والقطاعات الأخرى في المجتمع ، إغلاق المنافذ الموصلة إلى الفساد ، تعزيز الشراكات وتكامل الجهود والتعاون الدولي ، تعزيز قنوات الاتصال مع الإعلام وتطوير القدرات المؤسسة.

وأكدّ أنّ الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك حول سيادة القانون جاءت في وقتها لأن سيادة القانون تتصدر في هذه المرحلة المشهد السياسي وتشكل دفعة جديدة لمسيرة الإصلاح السياسي في المملكة ، فسيادة القانون تعتبر مقوماً اساسياً من مقومات النزاهة الوطنية لمواجهة التحديات الإقليمية الكبرى التي تحيط بنا لأن احترامه والالتزام به يسهم إلى حد كبير في بناء نسيج اجتماعي متماسك خاصة أننا نعيش في إقليم مشتغل نخره الفساد ودمره غياب سيادة القانون.

وأوضح أن الاستراتيجية الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد الجديدة تقوم على رؤية تتواصل مع القيّم الوطنية الأردنية والتراثية وتعمل على تكريس قيّم النزاهة وترسيخ معايير السلوك الفردي والجماعي وتحصين أطياف المجتمع كافة من الوقوع في براثن الفساد مع مراعاة تواصل زخم العمل القانوني والأمني إزاء قضايا الفساد بأعلى درجات الجدية والصدقية .

ولفت إلى أن الهيئة ممثلة بمجلسها وكوادرها تدرك بأن بناء جسور الثقة مع المجتمع والرأي العام يشكل أمراً حيوياً لا يمكن الحيدة عنه .. وهو أمر تعمل أجهزة الدولة ممثلة بالحكومة والهيئة والجهات ذات العلاقة على تحقيقه من خلال تفعيل وجدية وصدقية نظام المساءلة السياسي والقانوني في الدولة .. داعياً إلى تضافر الجهود الوطنية لمعالجة الثغرات والغموض في بعض التشريعات الناظمة وخاصة الرقابية منها ، وإيجاد الحلول لتسهيل الإجراءات الإدارية للإدارة العامة أثناء تقديمها لخدماتها بعدالة وشفافية ، والحد ووقف تدخلات أصحاب النفوذ والقضاء على الواسطة والمحسوبية وتلافي تعارض المصالح .

ونوه إلى أن الهيئة عاقدة العزم لضبط عمليات العطاءات واللوازم والأشغال الحكومية ومراقبة أداء الإدارة العامة وتجسير الفجوة بين الإدارة العامة والرأي العام متطلعة إلى سرعة استجابة مؤسسات الدولة لمنظومة النزاهة الوطنية ومعاييرها الدولية لأن ذلك سيمكنها من تنفيذ برامج الاستراتيجية بمرونة سلسة مستندة على عطاء وحكمة قيادة فذة وإرادة سياسية جادة ترجم بعض ملامحها جلالة الملك في ورقته النقاشية السادسة التي سهلت مهمتها في فتح آفاق واسعة وحاسمة لإيجاد إطار قانوني ينظم مساءلة المسؤولين من متخذي القرار إذا جانبت قراراتهم الصواب أو إذا شابها شبهة فساد .

وأشار إلى أن ضعف أنظمة الرقابة وغياب المساءلة في الماضي أدى إلى تغوّل بعض مراكز القوى وإلى تمادي أصحاب النفوس المريضة في ممارسة الفساد والاعتداء على المال العام وعلى حقوق الغير .. فيما عزز ذلك تراخي بعض الجهات الرقابية الأخرى عن أداء مهامها أما لضعف في تشريعاتها أو لتهاونٍ من بعض القائمين عليها ، مؤكداً أن غياب رقابة منظمات المجتمع المدني عزز هذا التراخي أيضاً إضافة إلى أن طول أمد إجراءات التقاضي في كثير من الأحيان أدّى إلى تراجع في مستوى النزاهة الوطنية المنشودة وتذبب ثقة المواطنين بأجهزة الدولة.

وشدد على أن الهيئة تسعى للانفتاح على المجتمع بكل مكوناته الرسمية والأهلية انفتاحنا شفافاً قدر المستطاع ووفق ما يسمح به القانون الذي يحكم عملها وبما تتيحه التشريعات الوطنية الأخرى التي وُضعت لتنظيم العلاقات بين أجهزة الدولة والمواطنين بما يكفل تحقيق العدالة في تقديم الخدمات والمساواة في تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص.

أمّا عن واقع الفساد في المملكة فقال أنه مرّ بعدة مراحل متفاوتة الشدة والأثر وهي :

• مرحلة الفساد المحدود الذي كان يمارس على نطاق ضيق من بعض ضعاف النفوس ، بينما الغالبية العظمي من الناس كانت تنبذ الفساد باعتباره عيباً ويتعارض مع تعاليم الدين وقيّم المجتمع الأخلاقية كما أن بعض الجهات الرقابية "كديوان المحاسبة" كانت كافية لملاحقة الفاسدين أو المتلاعبين أو المختلسين من موظفي الدولة ، ويمكن القول أن هذه المرحلة امتدت منذ تأسيس الدولة الأردنية حتى إلى ما قبل ثلاثين عاماً تقريباً .

• مرحلة الفساد الفاحش حيث تدرّج نموه مع تطور البُنى التحتية للمملكة المصاحبة لعطاءات مختلف المشروعات وكذلك تزايد مشتريات ونفقات الدولة من الأدوية والأجهزة الطبية وغيرها ، كما أن الفساد تنامى كثيراً في القطاعين العام والخاص أبّان عقد الخصخصة بالنسبة للشركات الحكومية التي تمّ خصخصتها ، فيما وازدهر في القطاع الخاص بعد انتشار ظاهرة تأسيس الشركات المساهمة العامة "كتعمير" و"إنفست" والميجا مول والبورصة الوهمية وغيرها حيث جرى السطو على أموال المساهمين بصوّر وأدوات مختلفة ، وقد استطاعت هيئة مكافحة الفساد خلال السنوات الثمانية من عمرها قبل إلغائها من تسلّم آلاف الشكاوى والإخبارات وفتحت ملفات فساد شائكة وبملايين الدنانير واستطاعت الهيئة إنجاز حوالي 600 ملف فساد أُحيلت إلى القضاء بينما حفظت آلاف الشكاوى والإخبارات لعدم وجود شبهات فساد فيها أو لعدم توفر الأدلة الكافية أو لشمول بعضها بقانون العفو العام عام 2011 ، كما ساهمت في استرداد ملايين الدنانير .

• المرحلة الحالية التي يمكن القول وبكل ثقة أن الفساد فيها لم يعد متجذراً وأنه أصبح تحت السيطرة وذلك لعدة أسباب من أهمها تزايد الوعي لدى المواطنين ولدى موظفي الدولة ، تحسّن أداء الإدارة الحكومية جراء تفعيل بعض التشريعات ، تحسّن أداء الجهات الرقابية ، والزج ببعض رموز الفساد في السجون ، مؤكداً أن مجلس هيئة مكافحة الفساد الرابع ومجلس هيئة النزاهة الحالي عمل على إعادة فتح ملفات كانت محفوظة أو كان التحقيق فيها بطيبئاً لسبب أو لآخر ، حيث بلغ عدد القضايا التي تم ترحيلها من سنوات سابقة "324" قضية أُحيل منها إلى القضاء عام 2016 ما مجموعه "69" قضية فيما تمّ حفظ "187" قضية والباقي ما زال قيد البحث ، أما عدد القضايا التي تم تسجيلها عام 2016 وحتى الرابع من الشهر الجاري تشرين الأول "اكتوبر" فقد بلغ "191" قضية أحيل منها إلى القضاء "44" وحفظ منها 49 والباقي "98" ما زال قيد التحقيق .

ولم يُغفل رئيس الهيئة في محاضرته حق المواطن في الحصول على المعلومات وقال نحن مع حق الجميع في ذلك ، ولكن يجب قوننة هذا الحق وخاصة في المرحلة الراهنة .. فالظروف المحيطة وما يجري في دول الجوار يحتم علينا بأن لا يكون الانفتاح شاملاً وأن لا يكون تمرير المعلومات أو تيسير أمر الحصول عليها متاحاً دون ضوابط على مستوى الدولة الأردنية ككل وليس على مستوى هيئة النزاهة فقط وهذا يوفره قانون حماية أسرار ووثائق الدولة وقانون الهيئة ذاته حيث يمنع إفشاء المعلومات أثناء سير التحقيق وجمع البيانات ولا نرى أن في ذلك خروجاً على المواثيق والأعراف الدولية لأنها تعترف بدورها بحقوق الدول في المحافظة على أسرارها وأمنها وكينونتها .

وهذا لا يتعارض حسب السيد العلاف مع نصوص الدستور الذي كفل في المادة الخامسة عشرة "حرية الرأي بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير" بشرط عدم تجاوز حدود القانون .

وقال إن الدعوة لغير ذلك يعتبر خروجاً على نصوص الدستور ويوصل إلى واقع لا تحمد عقباه والشواهد حولنا كثيرة ، وما التراشق الجاري على مواقع التواصل الاجتماعي سواء عندنا أو في دول الجوار أو حتى في العالم إلاّ صُور كريهة لما نخشاه ونحذر منه .

وفي نهاية المحاضرة التي حضرها آمر الكلية العميد الركن ناصر المهيرات وقياداتها أجاب السيد العلاف على أسئلة المشاركين في الدورتين .



تعليقات القراء

عثمان
الفساد في القوانين نفسها تتيح للمسؤولين السرقة تحت غطاء القوانين وخاصة عديمي الضمير وهم كثر
25-10-2016 05:21 PM
محمد الخزاعلة
واللة ما ضنيت ويتزايد اكثر
25-10-2016 09:11 PM
وليد الرشدان
اي فساد فيهم المالي ولا الاداري..!؟ الكارثه هو الفساد الاداري والذي يؤدي للفساد المالي
29-10-2016 08:41 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات