الاستمطار مجددا


منذ ما يزيد عن سنتين ومسلسل الهدر في الاموال العامة والضحك على الذقون مستمر في ما يعرف بإستمطار الغيوم ، وألاصح إنهم يضكحون على أنفسهم، فالاغلبية من العامة ليس لديها المعرفة الكافية بهذا العلم والقلة القليلة تعرف الصحيح وتحيد عنه ولا يتوفر لديها الشجاعة الكافية لقول الحقيقة.

منذ أكثر من سنتين لم أترك فرصة إلا وإستغليتها لكشف هذه اللعبة التي إستمرأت على الكثير خاصة المسؤولين في حكومتنا الرشيدة وإنطلت عليهم اللعبة والتي لا زالت مستمرة لغاية كتابة هذه السطور. كما أنني لم أدخر جهدا إلا وبذلته لاعلام أركان حكومتنا إبتداء من دولة رئيسها الحالي والذي سبقه إلى وزراء النقل المتعاقبين وغيرهم من مسؤولينا الكرام من خلال الرسائل المباشرة أو من خلال المواقع الالكترونية العديدة، مدعما تلك الرسائل بألادلة والبراهين على فشل العديد من تجارب الاستمطار محليا وإقليميا ودوليا،ومعززا ذلك بالابحاث والدراسات التي قامت بها معاهد وجامعات رسمية منشورة بأرقى المجلات العلمية المتخصصة.

وحتى أكون منصفا فإن نجاح بعض التجارب في بعض الدول وعلى نطاق ضيق ، فإن حصل ذلك فهو نتيجة لتوفر الامكانات المالية والفنية والعلمية ، لكن ذلك لا يمكن تعميمه بسبب توفر مثل تلك الامكانات في دول اخرى لكنها واجهت الفشل.

هنا في الاردن جرى العمل بمثل هذا المشروع بمنتصف الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي ، وإستمر العمل به لمدة قاربت العشر سنوات، آلت إلى الفشل الذريع في تحقيق المراد بشهادة المعلومات المناخية لتلك الفترة وبشهادة من عمل بهذا المشروع الذي أهدرت عليه مئات الالاف من الدنانير، فلم يزداد الهطول المطري بل على العكس شهدت المنطقة تراجع في الهطول بشهادة وزارة المياه والري.

من الجدير والمهم ذكره في هذا المجال ما أقرت به منظمة الارصاد الجوية العالمية المناط بها جميع الامور المتصلة بالطقس والمناخ ، حيث صرحت بأن هناك مشاريع إستمطار في عدة دول ، وما تقوم به تلك الدول إنما هو على عاتقها والمنظمة معفاة من تقديم أية توصية للسير بمثل هكذا مشاريع ، وكل ما تستطيع المنظمة تقديمه هو سؤال مختصين في هذا المجال لا تتحمل المنظمة أية تبعات عن إجابة هؤلاء المختصين ، ويكمن الاطلاع على هذا الرأي من خلال موقع المنظمة الرسمي على شبكة الانترنت.

منذ إستلام الادارة الحالية مهام عملها وضعت نصب عينيها إحياء مشروع الاستمطار الذي دفن نهائيا سنة 2005 رغم علمها بالشكوك التي تحوم حوله ، وكاتب هذه السطور أول من نبه هذه الادارة لتلك الشكوك ، لكن كما يقال عنزة ولو طارت.

سارت الامور بإستقدام خبراء من الحكومة التايلندية لتطبيق تجربتهم المعروفة ب Super Sandwich ، ويا ليت التجربة التي تمت بأذار الماضي بمحيط سد الملك طلال تمت كما هي التقنية التايلندية التي قيل عنها سابقا إنها تجربة فريدة ، لم أفهم أين الفرادة بها وما يميزها عن بقية التجارب في بقية دول العالم.

بالطبع قبل تنفيذ التجربة في الاردن سبق ذلك الاعداد لها من خلال تبادل الزيارات المتكررة من كلا الجانبين ، واولى الخطوات التي تمت هي إرسال فريق من كادر الدائرة رافقه طيارون من سلاح الجو الملكي الاردني للتدرب على عمليات الاستمطار في تايلند.

عند عودة الفريق الاول من رحلته أعد تقريرا عن مشاهداته وما تم إستنتاجه، وللاسف لم يسجل الفريق نقطة إيجابية واحدة ، بل على العكس من ذلك سجل بأن الجانب التايلندي لم يطلعهم على الجدوى من عمليات الاستمطار. المؤسف ان التقرير الذي رفع إلى معالي وزير النقل في ذلك الوقت خالف التقرير الذى اعده الفريق الفني وهنا كانت البداية في البناء على الباطل.

لاحقا تم تكليف أحد الخبراء الماليين بإعداد جدوى اقتصادية حول المشروع ،. وهنا يتمثل العجب العجاب ، فهذه الجدوى التي تم الطلب بإعدادها تمت سنة 2014 ، أي قبل التنفيذ الفعلى للمشروع وقبل توقيع مذكرة التفاهم بحوالي سنتين، والمدهش أيضا هنا أن مشروع تكاليفه تصل الى عدة ملايين يبنى على جدوى اقتصادية بقيمة 300 دينار ، أشك بأن شخصا بمستوى وخبرة معد هذه الجدوى يقبل بهذه المهزلة.

ما يلفت الانتباه في مجال الجدوى الاقتصادية قيام الدائرة مؤخرا بطرح عطاء دراسة الجدوى الاقتصادية كما هو ظاهر من موقع الدائرة ، هذا يعني ان الجدوى الاقتصادية السابقة ليس لها قيمه (اي كلام يعني) على رأي إخوتنا المصريين، واللبيب من الاشارة يفهم

توالت الزيارات بين الجانبين التي كلفت الالاف الدنانير من تذاكر ومياومات ، وتم الاتفاق على توقيع مذكرة تفاهم بين الجانين كان من شروطها إجراء تجربة في محيط سد الملك طلال، وتم الاتفاق والتحضير لاجرائها في نهاية شهر اذار الماضي ، وبالفعل قامت طائرة من طائرات سلاح الجو الملكي الاردني بثلاث طلعات لنثر المواد الكيميائية ليس بحسب الطريقة التايلندية كما أسلفت ، وفشلت التجربة فشلا ذريعا بالنظر إلى كميات الهطول المتحققة بعد التجربة ويا للاسف ذكر أن النتائج مبشرة.

المهزلة الثانية هو قيام الحكومة السابقة بتوقيع إتفاقية اخرى للاستمطار مع شركة القدرة للاستثمارات البيئية الممثلة لشركة ويذر-تك الالمانية، وهذه التقنية الحديثة نوعا ما صممتها الشركة الالمانية تعتمد على اسلوب التأين ، أي إطلاق شحنات سالبة في الجو من مولدات أرضية لغرض شحن السحب . مهمة هذه الشحنات هو جعل نويات التكاثف تدوم فترة أطول مما يمنح قطرات الماء وقتا أطول للنمو.الشرط الوحيد في هذه التقنية هو أن لا تقل نسبة الرطوبة النسبية في الجو عن 30% ، وبعبارة اخرى إن توفر هذا الشرط فيمكن إجراء عمليات الاستمطار في أي وقت من السنة .ما وصل إلى أسماعنا أن الشركة تقوم بإجراء عمليات الاستمطار منذ شهر اذار الماضي ، ولغاية هذا التاريخ لم نسمع عن أية نتائج تذكر ، فالتعتيم على هذا المشروع هو سيد الموقف.كان من الاجدر على حكومتنا الاستفسار من حكومتي الامارات وحكومة جمهورية مصر حول نتائجهم مع هذه التقنية.

التساؤل هنا أين دور الاجهزة الرقابية عما دار ويدور في كلا المشروعين، وتحت أي مسمى يقع الهدر في أموال الشعب على مشاريع لم يثبت جدواها وفشلت في أماكن عدة.

لم تأخذ الادارة الحالية العبر من تجربتها السابقة رغم توفر الامكانات الفنية في ذلك الوقت، ولم تستفيد من دروس وتجارب دول المحيط الذين يمتلكون الخبرة والمال الكافيين.

ما هو مطلوب وملح هو تشكيل لجنة محايدة من أصحاب الخبرة والاختصاص لتقييم كلا التجربتين من كافة الجوانب وليكن رأيها هو الفيصل بالاستمرار أو التوقف عن كلا المشروعين ، بعكس ذلك سوف يستمر الهدر في الجهد والمال خصوصا بغياب الرقابة والمحاسبة.

لقد كان لتصريح معالي وزير المياه منذ مدة ليست بالبعيدة ما يلفت الانتباه والاهتمام ، حيث صرح معاليه أنه بالامكان تجميع 43 مليون متر مكعب من المياه بتجميعها من أسطح المنازل ، هذا بالاضافة إلى مشاريع حصاد المياه عن طريق التوسع بإقامة الحفائر الترابية والتوسع باقامة السدود الجديدة وتعلية السدود الحالية المضمونة النتائج ذات الجدوى الاكيدة بعكس المشاريع المبنية على الاوهام.

لقد أشار جلالة الملك المعظم في ورقته النقاشية السادسة على تفعيل دور وحدات الرقابة الداخلية في مؤسسات ودوائر الحكومة إضافة إلى دور ديوان الحاسبة وهيئة مكافحة الفساد من وضع مصلحة الوطن والمواطن في المقام الاول. وبناء على ذلك فإن على تلك الجهات الرقابية واجب وطني وأخلاقي لمراجعة مشاريع الاستمطار تلك من كافة النواحي الفنية والمالية والادارية حفاظا على مقدرات البلد ووضع القطار على مساره الصحيح
حما الله الاردن تحت قيادة مليكنا المفدي حفظه الله وسدد على طريق الخير خطاه



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات