إضاءة على رواية "بيت الكراهية"


جراسا -

بقلم: صابرين فرعون

يعمل الروائي محمد برهان في روايته "بيت الكراهية" على انزياحات "هدم وبناء" لغوي، لإظهار التناقض بين الماضي والحاضر، صانعاً فجوةً تأملية للتاريخ بدءاً من عنوان الرواية وحتى آخر سطر في متنها السردي.

يركز على الفضاء الزماني باعتباره محركاً للسرد والأحداث، فالزمن الرئيسي للأحداث ما بين الأعوام "1499-1501" في غرناطة، وهو ما عُرف بثورة السفارديم والمورسيكيين أو ثورة البشرات ، حيث أخل الملكان القشتاليان ايزابيلا وفيرديناند بمعاهدة غرناطة التي نصت على عدم الاعتداء على المسلمين في إسبانيا إبان تسليمها للسلطة الكاثوليكية والمقصود سلطة الكنيسة، وتم إرغام الأقليات الدينية من "المسلمين واليهود" على تعميد أطفالهم عند القس طالبيرا الموكل من الملكين بتنصير الأقليات لاعتناق الكاثوليكية، ومن رفض المرسوم الملكي من المسلمين واليهود تم تهجيره قسرياً من اسبانيا.

في تلك الفترة أخفى "المرو" أي المسلمين الأسبان والسفارديم اليهود الأسبان دينهم الحقيقي خوفاً من إبعادهم عن غرناطة، ولكن الحقد الملكي ملأ المنطقة رغبةً في الهيمنة وإشاعة الخوف، حيث تم فصل الأطفال المُعمدين بالكنيسة عن آبائهم وتهجير الأهالي، ثم شرعوا بإقامة محاكم التفتيش التي أخذت بتصعيد التوترات ونهج الطرد والتوطين ومحاربة الهرطقة "السحر والبدع" ومعاقبة المسلمين واليهود الذين أُجبروا على اعتناق الكاثوليكية ومحاربة البروتستانت، فقام الكاردينال ثيسرينوس بإغلاق المساجد والتخلص من الكتب والوثائق العربية تمهيداً لمحو الأثر العربي للأندلس...

اعتمد الراوي أ. محمد برهان في سرده على تقنية الاسترجاع الفني، فبدأ من حيث تنتهي تلك الحقبة وتبدأ حقبة التنقيب من قبل السلطات الاسبانية وترجمة المخطوطات والوثائق من قبل باحثين عرب وأسبان ويهود، وهو إن يدل على أن التاريخ يكرر نفسه، فالنزعات الطائفية والدينية مكرسة لخدمة السياسة العالمية منذ الغابرين وحتى اليوم، صراعات طاحنة تبرر الموت والتطهير العرقي وتهدم كل ما يسعى له الإنسان من مدنية وتحضر.

يضعنا برهان أمام الكتابة التاريخية باستحضار المُتخيل الحضاري داخل بنية الزمان والمكان في امتداد غير منتهي في الحاضر موثقاً حقبةً من تاريخ غرناطة بأسلوبٍ مشوقٍ، فلحظات الحب بين إيلينا وزكريا "باحثين من بعثة ترجمة المخطوطات في العصر الحديث" تغلق باب بيت الكراهية، ونستشف ذلك من الحوار النهائي الدائر بينهما " ألا ترى أننّا استطعنا أنْ ندفن الكراهية في بيتِ الكراهيةِ ذاته.. هذا عملٌ جبارٌ كنا قد احتفلنا به على طريقتنا قبلَ أيام" .

في سرده، تحدث برهان عن المقاربات والتناقضات في تطويع الدين لتحقيق المآرب والمطامع الخفية للسلطة، كما سلط الضوء على تطور دور المرأة في الحضارات القديمة، حيث كانت العذارى تُقدم للمعابد لخدمة الرب من ثم سبايا تم بيعهن في سوق الرقيق ليعملن في الحقول والخدمة لدى أرباب التجارة والمهن الحرفية، وقدم صورة مغايرة للمرأة اليوم، تمثلت بإيلينا المتعلمة وأستاذةُ طرائق البحث بمدرسة ميندل للدراسات الاجتماعية المتقدمة بالجامعة العبرية، التي تولي احتراماً لجسدها، وتعيش بهجتها دون قيد..

الحاضر الآني في رواية "بيت الكراهية"، هو خيط الواقع ويُبنى على حجريّ أساس يُؤثثان الفعل السردي، وهما : الحدث التاريخي الحقيقي والنص المُتخيل، ويتجلى ذلك عندما تلقى أفراد البعثة رسائل رسمية تفيد تعاونهم في التعريف بالمخطوطات وقيمتها وحقيقتها فتحت باب المغامرات باستخدام الحبكة الدرامية والمشهدية الرومانسية.

كما أن لا بطولة لشخوص بحد ذاتهم في الرواية، وإنما هناك أصوات بوليفونية لا تحتكر المعرفة المطلقة يسعى من خلالها الراوي لصنع علاقات حوارية تغني السرد، بهدف وضع القارئ عند مفاصل النص وإعادة قراءة التاريخ أدبياً على أن يكون القارئ قادراً على استيعاب ديباجة الكاتب التي يستلهمها من التاريخ باعتباره يغوص في أعماقه، ولا يكتبها كما هي وإنما كما تتوافق والبنية الفنية للرواية، واستقراء وجهات نظر متعددة مُشكلاً آفاقاً لا نهاية لها من منطق الإصغاء لدور العقل في البحث الوجودي، وكأنها عملية إعادة تدوير تتعلق بصراع السلطة الممتد للحاضر.

محمد برهان أديب سوري، صدر له: "نصوص ناقصة" ، "مذاق الخفة"، روايات "كاهن الخطيئة"،"عطار القلوب"، وحديثاً صدرت له رواية "بيت الكراهية"، وكلها عن دار فضاءات للنشر والتوزيع / الأردن.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات