انتخابات ناكئة للجراح


يجتاحنا وجع عميق ونحن نرى أقوى دولة في العالم تنصاع لدستور أقره الآباء المؤسسون قبل عشرات طويلة من السنوات ، ولم تجر عليه سوى تعديلات محدودة تشيع حقوقا إضافية للأفراد والجماعات ، فيما دساتيرنا العربية ، تخضع لقوانين العرض والطلب ، وكأنها أسهم متأرجحة في بورصة "تخفق الأرواح فيها".

نحن ، الناطقين بلسان الضاد ، وحدنا ودون سوانا في العالم ، نحظى بوزراء للخارجية والداخلية ، زادت ولايات بعضهم على الثلاثين والأربعين عاما ، هذا سجل رقم قياسي بالكاد بلغه الدبلوماسي الروسي الأشهر "غروميكو" ، وذاك تجاوز ربع القرن ، وآخر تعاقب عليه عشرة وزراء خارجية أمريكيين أو يزيد.

الثوار منا اقتبسوا هذه "السنّة" غير الحميدة التي اختطها الرسميون والمحافظون ، بالأمس قرأت عن "اعتزالات" في صفوف حركة ميريتس اليسارية الإسرائيلية ، يأسا من عملية السلام وإحباطا من المشهد السياسي الإسرائيلي ، وتساءلت أليست هذه الأسباب ذاتها ، كفيلة بأن يعتزل نظراؤهم من الفلسطينيين ، وما الذي يدفع يوسي بيلين للاعتزال مثلا ، ويبقي ياسر عبد ربه شريكه في جنيف في موقعه ، علما بأن الأول خاض غمار انتخابات عدة ونجح فيها ، فيما الثاني لم يدخل أي انتخابات من أي نوع في تاريخه "الكفاحي" ، والمشهد الفلسطيني الداخل ليس أقل مدعاة للإحباط من المشهد الإسرائيلي.

وانظروا كم مفاوض إسرائيلي تعاقب على كبير المفاوضين الفلسطينيين وكبارهم ، وكم مفاوض أمريكي منذ روبرت بوليترو (1987) تعاقب على المفاوض الفلسطيني ، وكذا الحال بالنسبة لأوروبا واليابان والعالم الحر برمته ، ومع ذلك نجدنا الأكثر هتافا لديمقراطيتنا المزعومة ، ديمقراطية غابة البنادق.

الانتخابات الأمريكية مناسبة لتذكيرنا بمواطنتنا العربية المهدورة ، فأنت لن تكون مواطنا أبدا إن لم تشهد بدرا وأحدا ، فيما أوباما الذي يضع قدما في البيت الأبيض ، ما زالت قدمه الثانية في كينيا ، ولا أحد يجادل في منابته وأصوله ولونه وطائفته وعرقه ، وحتى إن كان هناك نقاش من هذا النوع ، فذاك في سياق الديمقراطية وليس من قبيل الانقلاب عليها ، ذاك في سياق تكريس حقوق المواطن المدنية والسياسية وليس في إطار الانتقاص منها أو الانقضاض عليها.

الانتخابات الأمريكية مناسبة لنستذكر بعض أوجاعنا ، فهل نتعلم وهل نرعوي؟


 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات