في حضرة «الزرقاء»


إلى أمجد ناصر (وزرقاويين كثر)

لكأن حبلاً سرياً يظل يربطك بها. ولربما أنت المكان وهي الانسان. وإلا لماذا تراها الآن صبية ، يانعة ترتدي المريول الاخضر بعد الأزرق. تضم كتب المدرسة الى صدرها البكر بعدما كانت تحملها داخل شنطة تتدلى الى ركبتها القريبة من الشارع؟،

والا ، لماذا بعدما أصبحت جدة ولأبنائها أصبح احفاد ، تظل الزرقاء في عينيك زرافة قدماها بين ماء سيل وصفاء صحراء فيما عيناها على السماء ترى ما لا ترى أنت ، وتقول لك: افتح عينيك جيداً. حدق في الكتاب. احفظ درسك.. من هنا يبدأ الطريق والعالم لك إن أردت ، إن درست وإن أدركت أن الجاحظ والمتنبي وابن خلدون وعراراً وابراهيم طوقان الذين يجبرك مدرسك ان تحفظ لهم وعنهم هم معلموك الحقيقيون. ويضربك بعصا غليظة او يوقفك على رجل واحدة ان لم تقرأ درسك غيباً .

لم تكن عندها تعلم ان حفظك لما هو مقرر عليك هو الطريق للوصول الى ما هو مقدر لك. فالحياة طرق ملتبسة وعليك ان تستوضحها وطرق عليك ان تشقها بعرق فكرك وأرق رزقك.

أرق الرزق كان حنوناً على كل أبناء الزرقاء. عشرون او ثلاثون ديناراً كانت تكفي لتعيش اسرة ذات اولاد بلا عدد. فالمدارس مجانية بالكامل والطلبة من دون اكسسوارات اليوم المكلفة. الاكل ، خضار من جانبي السيل الذي كان يافعاً او من الرصيفة بين السكة والشارع الوحيد الرئيسي ، طريق الحياة الى حياة عمان ومن ثم الشام او الكويت او لندن او روما او كل المدن البعيدة. كل الخضار كانت تنعم بالكلوروفيل والحديد والكالسيوم الطازج. أما البروتينات ففي متناول الفم من البقوليات الملونة النكهات التي ما يزال عبقها يشدك اليك أينما كنت. رائحة فلافل مطعم السلام ما تزال في جسد ذاكرتك وصحن فول عند ابو أكرم ، اكثر كرماً على جسدك من ستيك نيوزيلندا وكافيار روسيا وهمبرغر اميركا.

ولأن أبناءها ولدوا معها ومنها فقد كانت زرقاؤنا ، نحن أبناء جيلها الثاني والثالث وحتى العاشر ، عصية على العصبية من أي نوع. أم الجميع بلا استثناء او مواربة. وربما لذلك ارضعتنا الانفتاح على العالم وفتحت لنا كل المدن والمجالات. وعندما كبرنا وغادرناها قالت لنا: كونوا أنتم. كونوا للجميع وان طال بكم السفر أعيدوا الي أبناءكم. وان طال اكثر فأحفادكم أنا هنا اكبر كما تكبرون. أنا الانسان وفيكم مني أصالة المكان.

آه يا أمجد ناصر ، يا يحيى عوض ، لماذا أهديتني مقالك في (القدس) ، لماذا كتبت: الى رشاد أبو داود (وزرقاويين كثر)؟، أراني الآن حافي الذكريات إلا من ما حفرته السكة والسيل وما بينهما في نفسي. أراني وإياك ، وإياهم ، نلتقي في حضرتها.. الزرقاء،
الدستور



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات