الأردن والإدارة الأميركية الجديدة


من المتوقع خلال هذا اليوم أن تكون صورة الرئيس الأميركي الجديد أكثر حسماً.

أياًّ كانت النتيجة، فثمة ضرورة، بدايةً، في التمييز بين الخطاب الانتخابي للرئيس الجديد حول السياسة الخارجية وبين الأجندة الواقعية المرتبطة بمصالح استراتيجية وحسابات الواقع ورؤية المؤسسات البيروقراطية.

في الشرق الأوسط نحن أمام ثلاثة ملفات حيوية ورئيسة؛ الملف العراقي، والتسوية السلمية والسلاح النووي الإيراني.

عراقياً؛ الاتفاقية الأمنية اليوم تشكل العمود الفقري للاستراتيجية الأميركية، إذ تتحدث عن إعادة انتشار عسكري وقواعد أميركية، وهنالك اتفاق على جدول زمني معين، ما يعني أنّ الخلافات تكتيكية محدودة، وليست عميقة واستراتيجية.

البرنامج النووي الإيراني هو السؤال الذي يشار إليه باعتباره "حجر الرحى" في الملفات الإقليمية. إذ سيحدد طبيعة المرحلة القادمة الجواب النهائي عن السؤال الرئيس: هل ستقبل إيران التنازل عن برنامجها النووي والقبول بحلول وسطى، أم ستقبل الإدارة الأميركية بالتعايش مع "إيران نووية". هذا الموضوع، تحديداً، لم يقدّم جواب واضح عنه في "المرافعات الانتخابية".

في سياق إقليمي آخر؛ فإنّ المؤشرات الأولية تشي بأنّ التسوية السلمية لن تكون أولوية للإدارة الجديدة، خلال المراحل الأولى، ما يُرشّح الوضع الفلسطيني لمزيد من التدهور والأزمات، ويُبقي الباب مفتوحاً أمام المطالبين بحلول إقليمية.

هنا، تحديداً، نلج إلى مناقشة أجندة الإدارة الجديدة تجاه الأردن. الملاحظة الرئيسة التي تُسجّل أنّ العلاقات الأميركية- الأردنية تطوّرت بصورة متسارعة ونوعية خلال السنوات الأخيرة، ونما اتجاه مهم في المؤسسات الأميركية يرى أنّ الاستقرار في الأردن بمثابة مصلحة حيوية أميركية.

على الجهة المقابلة؛ فإنّ الإدارة الأميركية معنية بموضوع الاستقرار السياسي والأمني في الأردن باعتباره أولوية، ولا تمنح الإدارة قضايا الإصلاح السياسي والديمقراطية وحقوق الإنسان أهمية موازية، بل يوصي عدد من الخبراء والسياسيين المخضرمين بعدم الضغط على الأردن في هذه الملفات.

الأنظار الأردنية موجهّة، بصورة رئيسة، إلى توجّه الإدارة الجديدة نحو القضية الفلسطينية. وإذا كان من الصعوبة تصور الوصول إلى اتفاق نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خلال المرحلة القادمة، فإنّ التصور الأردني للأمن الوطني يتمثل بمحاولة الحدّ من تدهور المشهد الفلسطيني أولاً، وثانياً مواجهة كافة الضغوط والأصوات التي تدعو إلى "دور أردني" في الضفة الغربية، يُمهِّد لعلاقة سياسية، لكن من دون قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة على أراضي الـ67.

خارج التفاصيل فإنّ "المناخ الإقليمي" السائد سيمثل عاملاً مؤثراً، بصورة ملموسة خلال المرحلة القريبة القادمة، وسيلقي بظلاله على السياسات الداخلية والخارجية الرسمية الأردنية.

فإذا اتجه الخطاب الإقليمي المقبل نحو التصعيد وحبس الأنفاس بين الولايات المتحدة وإيران، فإنّ "المنظور الأمني" سيصوغ العلاقات الداخلية بصورة كبيرة، وسيؤثر، بتقديري، على أجواء الانفتاح الأخيرة مع الإسلاميين.

أمّا إذا اتجه المناخ الإقليمي، على الأقل في المرحلة الأولى، نحو التهدئة والحوار والانفتاح بين الولايات المتحدة والأطراف الإقليمية المختلفة، فإنّ احتمالات "الانفراج السياسي الداخلي" ستكون أوسع، وسيأخذ الانفتاح على الإسلاميين (وبالضرورة حركة حماس) أبعاداً أكبر وأكثر جدّية.

تبدو المعضلة الرئيسة هي تأثر مشروع الإصلاح السياسي بصورة كبيرة ومباشرة بهذه المتغيرات الخارجية. فالمطلوب اليوم تشكّل تيار إصلاحي وطني يدفع باتجاه بلورة رؤية واقعية متدرّجة لمراحل الإصلاح السياسي وخطواته، والحدّ من انعكاسات المتغيرات الإقليمية على هذا المسار الحيوي والأساسي في الحياة الداخلية.

مهمة هذا التيار هي الابتعاد عن مخاطر واضحة تتمثل بالإخلال بالمعادلات السياسية الداخلية، وفي الوقت نفسه اعتماد قاعدة "الأمن في رعاية السياسة"، للتأكيد على الحريات السياسية والعامة وحقوق الإنسان وإصلاح التعليم العالي وحماية الطبقة الوسطى واستعادة الأدوار السياسية الحيوية والدستورية في النظام السياسي وفتح نوافذ البيت للهواء النقي المنعش للحياة الطبيعية.

بغير ذلك، فإننا سنبقى في حلقة مفرغة ندور مع المتغيرات الدولية والإقليمية، لكن من دون أن نتقدّم خطوة إلى الأمام، بل عملياً نتراجع بسرعة إلى الوراء من خلال لعبة "إهدار الوقت" وسياسات "مكانك سر"!

m.aburumman@alghad.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات