قراءات في التشكيلة الحكومية


سؤال دائماً ما نطرحه على طلبة إدارة الأعمال وهو: "ماذا يأتي أولاً؟ هل هو الهيكل التنظيمي أم الاستراتيجية؟ و كثيراً ما تأتي الإجابة خاطئة سواءً من طلبة الماجستير أو من كثيرٍ من المدراء التنفيذيين. سؤال ليس بجدلي ولكنه منطقي.

يعتبر الهيكل التنظيمي من أهم الأسس التي ترتكز عليها المؤسسات الخاصة أو العامة على حدٍ سواء، بل هو يشابه العمود الفقري للإنسان وبنفس أهميته. ومن خلال الهيكل التنظيمي يتم إبراز أهم ما تسعى المؤسسة لتحقيقه، لذا فالمؤسسات التي تهتم بالابتكار مثلاً ستجد أن الابتكار يتصدر هيكلها التنفيذي، وهكذا. ومن الأمثلة الحية على سرعة عكس اهتمامات الدولة على الهيكل التنظيمي أن المملكة المتحدة قد أنشأت وزارة حديثة تحت اسم "وزارة الخروج من الاتحاد الاوروبي" بعد أن قرر الانجليز ذلك في استفتاء تم اجراؤه في 24 حزيران من هذا العام، أي قبل أقل من 100 يوم تقريباً.

وتعقيباً على التغيير الذي طال الهيكل التنظيمي للوزارة الجديدة برئاسة دولة الدكتور هاني الملقي، فإنني أود أن أطرح ثلاث اقتراحات ربما تستفيد منها الحكومة الحالية أو الحكومات القادمة.

أولا. فيما يخص وزارة الخارجية وشؤون المغتربين ووزير دولة للشؤون الخارجية. من المنطق أن يولي الأردن اهتماماً كبيراً بالشؤون الخارجية، وخصوصاً في ضوء الأهمية المتنامية للتطورات الدولية التي تؤثر على المملكة. لكن ربما فاتتنا فرصة أن نبرز القضية الخارجية الأهم التي يعاني منها الاردن اليوم وهي قضية اللاجئين. لذا كان من الأنسب أن يتم تسمية وزير دولة "للشؤون الخارجية واللاجئين" مما من شأنه أن يبرز هذه القضية دولياً ويتيح للحكومة أن تبني استراتيجية متكاملة للتعامل مع كافة أنواع اللجوء في بلدٍ أصبح يحتل المرتبة الاولى في العالم في استضافة اللاجئين من حيث الأرقام المسجلة لدى الأمم المتحدة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. ونجد مثل هذه الوزارة في بلدٍ متقدم مثل المانيا تحت مسمى "وزارة اللاجئين وضحايا الحروب" كما نجدها أيضاً في كندا تحت مسمى "وزارة الهجرة واللاجئين والمواطنة".

من جانبٍ آخر تأتي القضية الأهم والأبرز للأردن اليوم وغداً وهو الاستثمار، لذا نرى أن الحكومة قد أولت لنائب رئيس الوزراء هذه المهمة ولكن ربما كان من الأولى أن يكون هناك وزارة مختصة بالاستثمار لما لهذه القضية من أهمية تستدعي أن يتم ابرازها على الهيكل التنظيمي للدولة. وربما يقول البعض أنه لدينا هيئة للاستثمار، وهذا لا يتعارض أبداً مع وجود وزارة استثمار وذلك على شاكلة وزارة الطاقة وهيئة الطاقة أو وزارة السياحة وهيئة ترويج السياحة على سبيل المثال.

النقطة الثالثة أنه أصبح لدينا الآن "وزير صناعة وتجارة وتموين" و "وزير دولة للشؤون الاقتصادية" و "نائب رئيس وزراء للشؤون الاقتصادية" و "وزير دولة لشؤون الاستثمار". طبعاً هذا يشي برغبة الحكومة بأن تولي الجانب الاقتصادي أهمية كبيرة، الا أنني أرى أنه هناك خطراً قد يتمثل في غياب وضوح الأدوار وربما تداخلها مما قد يعيق العمل. و ربما كان الأجدى هو دمج وزارة الصناعة والتجارة والتموين ووزير دولة للشؤون الاقتصادية في وزارة واحدة هي "وزارة الاقتصاد الوطني".

و من الجوانب المشرقة في هذه التشكيلة الوزارية هو أن يحمل "وزير الاتصالات" حقيبة "وزارة تطوير القطاع العام" وأرى في هذا حنكة سياسية بينة، حيث أنه سوف يساعد في التحول الالكتروني للخدمات الحكومية وبالتالي الارتقاء بالخدمات الحكومية وتنافسيتها واضافة قيمة مميزة للمتعاملين.

في الختام لابد من الإجابة على السؤال الذي بدأنا به هذا المقال وهو ماذا يأتي أولاً؟ الهيكل التنظيمي أم الاستراتيجية؟ بالطبع الاستراتيجية تأتي قبل الهيكل التنظيمي لأن الاستراتيجية تجيب على سؤال وهو "كيف نحقق أهدافنا"، أما الهيكل التنظيمي فهو يجيب على سؤال مهم أيضا وهو "من سوف يحقق ما نهدف اليه".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات