حوارٌ في عُلبَة ثِقاب


هناك قضيتان ، الأولى وتخص الرأي الاخر : وأنه لا يُمْكن الادّعاءَ برأيٍ معارض صائبٍ في مَوضوعِ التّعديلاتِ على المَناهجِ المدرسيّة منْ خِلالِ الاكتفاء بنَظرة عامّة ،أو انْسياقٍ عاطفيّ ، إذْ لا بُدّ للنّاقد أو المختلف بالرّأي مع التّعديلات أن يَكونَ مؤهّلا ومستندا علمياً ومُلِمّاً ثقافياً. أمّا الأخرى فهي نهج الطرف الرسمي المعتاد بالقفز عن الأولويّات ، فتطوير التعليم من جهة المناهج ليس حاجة ملحّة مقارنَةً مع تحدّيات تعليميّة كبيرة تَتَمثّل في نَقْصِ الكوادِر التّعليميّة وتأهيلها ، وتأهيل المدارس وتوفير بيئة عصرية على أسُسٍ علمية دقيقة ،ومن المُستهجَن أنْ لا يُعطى التّعليم أولويّة في الموازنة إذا كان هناك سَبَبٌ أمنِيّ وَطَنيّ على درجة من الأهميّة استلزم تعديل المناهج ، تناقض بحجم المديونية وتبرير بِطَعْم الفَسَاد.

ومن جهة فانّ ما يتِمّ تَداولهُ عَن أنّ هُناك أجِنْدة علمانيّة يَسعى أصْحابُها لِدَسِّ هذا الفِكرَ في جانبِ التّعليم ، وضغوطٍ خارجية مفروضة، ليس مُبرّراً للمُعارضة أو سبيلاً مقنعاً حتّى وأنْ وجِد ذلك، ما دام أنّ المقرّرات التعليمية زاخِرة بالموادّ والمواضيعِ والإشاراتِ التي تَرْبط و تَرْتَبِطُ بالشّريعة الإسلاميّة- ديننا الحنيف- تربية وخُلقا ودعوة...علينا أنْ نُصْغي جيدا لِمَن رأى في صِحّة التّعديل ، وعلينا أنْ نَنْظُرَ إلى الماضي والوَاقِع الحاضِرِ ثم نطالب للمُسْتَقْبَل بالمنطق ,و في حقلٍ حسّاسٍ كالتعليم ليس من السّهل أنْ تُعِدّ منهاجاً علميّا وفقا للفئة العمريّة والثقافة ومعايير اجتماعية عربية معقدّة تماما كما هي الصّعوبة في نَقدهِ ومعارضته.

ما يبدو للجميعِ أنّها جريمة كُبرى وَذَنْبٌ لا يُغْفر يذكرني بِقصّة النّبيّ موسى مع الخَضْر عليهما السّلام ، محرجٌ أن يكون الجَواب وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى ما لَمْ تُحٍط بِهِ خُبْرا ، وفي هذا يرى بَعْضُ العُلمَاءِ أنَّ مِنَ الآياتِ والعِبَر في هذهِ القِصّة هو جَوازُ إتلافِ بَعْض الشّيء لإصْلاحِ باقيه وجَوازُ التّخلّص مِنْ الشّر قبل أن يَتَعَمْلق وتُعْجِز إحاطَتَهُ وهذا الفِعْل بِجوازِ ذلكَ يَرْتِكِزُ عَلى قاعِدة كبيرة مِنْ الرّحْمة والعِلم الخاص الرّفيع ،

لا أودّ أن يُساءَ فَهْمُ ما أتَنَاول ، خاصةً أنّني أرى أنّ سياسة التّعليم بِطُبْعتيها القديمة والجديدة لم تتمَكّن من إخراج جيل علميٍ مُلتزمٍ بتعاليم الدين الإسلامي كما يجب ، ولا نُحمّل من سَبقنا كُلّ الذّنْبِ والجَميع يَعْلمُ قَسْوة الظروف آنذاك مع أنّها لَمْ تَخلو مِنْ بَعْض التّحديات المتواضعة ، ولَن أتطرّق الى تفصيل أكثر في هذا خاصّة عندما نُدْرِكُ كَمّ التّغوّل السّلطوي على المُكوّن الأُرْدُنيّ بِكافّة حُقُولهِ وأطيافهِ قديماً وحديثا ، التّعليم ما زال يُراوِحُ مَكانه انْ لم يتراجع ، فخلق و يخلق تناقضات اجتماعية بدلا من بناء أجيالٍ متحرّرة ، ويساهم في صنع مُجتمعٍ عالقٍ بين الوطنيّة والدين ، ولاءٌ بمرجعية دينية وانتماء بهاجس الامن والضياع...نمط مُتَخلّف من البناء الثقافي لا يرقى لمستوى الانجازات الفرديّة في دول اخرى.

أنْ كانت هُناك ضُغُوطاً دوليّة و لَيس بالإمْكان المفرٌّ منها ، فعلى مَنْ قرّرَ التّعديلات أنْ يُدقّقَ بصورة أشمل تنصف الواقع وتستشرف المستقبل بعين الطامح وأنْ لا تكون الرعونة والكَسَل أسباب في إتلاف كل الشيء ، فالحَرفيّة في التعديلات كانت مدعاة للاستهجان، ونداء الاستجابة للظرف الإقليمي لم يكن موفقاً وذلك كلّه ما أثار فُضولَ النّاس وفي هذا قد يُعْذَرون .

تطويرُ المَنَاهِجِ ضرورة بعيدا عن منطق الدوافع لكنّ استشارة ذوي الألباب من أكاديميين وتربويين يشهد بكفاءتهم وخبرتهم وعلو كعبهم القاصي والداني متطلب وطني مخلص اكثر منه سياسة وتفنيد....الحاضرُ يَحْتاجُنا كما المُسْتَقْبل فدعوة أنْ نَخْرُج من حوارِ عُلبة الثّقاب المُلتهب ، صَخَبٌ عَقَيم يُشْعِل المَكان للأفكار البالية ، ويُحْرِقَ طريق البنّاءة منها ....لنصغي بحقّ ولنطوّر بحق...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات