المناهج بين التطوير والتشويه


السجال المجتمعي في الأردن حول تغيرات المناهج، والذي توسع وشمل جميع المستويات، وحشد له كل طرف ما استطاع من قوة وأدلة، ما كان له أن يحدث لو كان التغيير في الاتجاه الصحيح مبرءاً من الخلل وسوء النية. فقد تغيرت المناهج أكثر من مرة وآخرها قبل عشر سنوات تقريباً، وتقبلها الجميع دون حدوث أي اعتراضات تُذكر.
الناس لا يعترضون من فراغ، ولا يعتصمون حباً في الظهور، فالإنسان بطبعه يحب الهدوء والسلام، والبعد عن المشكلات وما يُنغص الحياة. ولكن الإنسان يكسر ما اعتاد عليه عندما تُمس ثوابته بسوء، ويشعر أن ما يحدث هو حلقة من سلسلة حلقات خبيثة تهدف إلى حصر الدين في زاوية عبادية ضيقة لا علاقة لها بالحياة.
أولاً: لا أحد ضد تطوير المناهج وتحديثها، ولكن المطلوب تطوير حقيقي وتحديث نحو الأفضل، لا مجرد رتوش لا تقدم ولا تؤخر، والناظر إلى الكتب الحديثة لا يلحظ أي تطوير جوهري، بل هو تغيير شكلي لا يحدث فرقاً في التفكير ولا حرية الرأي ولا الحوار والتسامح وتقبل الآخر ولا قيم المواطنة ولا غيرها، حجة المطورين، وتبريرهم لما حدث.
ثانياً: لا أحد يُنكر وجود آيات وأحاديث ورموز دينية في الكتب الجديدة، بما فيها كتب اللغة العربية محل الخلاف الرئيس. ومن يحتج بهذا الوجود مجرداً إنما يؤكد حقاً يُراد به باطل. فالمشكلة ليست هنا. ولكن المعيب أن يتم تقصد الآيات والأحاديث والرموز الدينية بالحذف بحجة أنها محفزات على الإرهاب أو أنها مجرد حشو زائد.
ثالثاً: إن ربط القرآن وغيره من الرموز الإسلامية بالإرهاب أمر مرفوض تماماً، وغير مقبول إطلاقاً، ولا يقول بذلك مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر. القرآن نص مقدس ليس مسؤولاً عن كيفية فهم الناس وتأويلهم له. القرآن لا يتحمل مسؤولية ما يقوم به المتطرفون باسمه. القرآن كلام الله وحاشا لله أن ينزل كلاماً يدعو للإرهاب.
رابعاً: القرآن الكريم ليس حشواً زائداً كما يدعي بعض موتوري وزارة التربية، القرآن الكريم هو الأساس وما عداه لغو. وخاصة فيكتب اللغة العربية، فالقرآن هو مصدر اللغة الرئيس، وهو الحجة لكل شيء في اللغة وعلومها، وأي أمر لغوي لا شاهد له من القرآن، فهو عرضة للاجتهاد والتغيير. فما الضير أن يكون في كل درس شواهد قرآنية تعززه، وتحقق أهدافاً عديدة بمثال واحد؟
خامساً: ما الخطأ بوجود آيات قرآنية في كتب العلوم، كمفتتح لكل فصل؟؟ هل ثمة ضرر ما من وجودها؟؟ ألا تربط العلم بالإيمان، وتعزز القيم، وتُعلي من شأن العلم لتجعل منه عبادة نسأل عنها، ونحاسب عليها إن قصرنا فيها؟؟
سادساً: إن خلو معظم كتب التربية المدنية والاجتماعية من آيات القرآن الكريم، إنما يحولها إلى كتب مسخ هزيلة سطحية دون أساس، لا سيما أن هذه الكتب تهدف إلى ترسيخ مجموعة من القيم المدنية والإنسانية والمجتمعية، التي لن تجد أفضل ولا أقوى ولا أكثر تأثيراً من النص القرآني لتعزيزها وترسيخها في أذهان الطلبة. وإن تعمد إغفال الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة هو غباء وحماقة تعبر عن سطحية في التفكير وعوار في الفهم.
سابعاً: إن استعراض بسيط للكتب الجديدة، يؤكد أنها تراجعت إلى الوراء في كثير من الأمور، وأن ما يضخمونه من وجود أنشطة وأسئلة تدعو للتفكير والحوار والتسامح واحترام الرأي الآخر، محض هراء، فإن وجد شيء من ذلك، فقد وجد في الكتب السابقة ما هو أفضل وأكثر نفعاً. ومقارنة منصفة بين القديم والجديد سيؤكد ذلك.
ثامناً: إن التطوير الحقيقي للكتب المدرسية يجب أن يتم على يد خبراء، وأن يكون تغييراً جذرياً، لا مجرد قص كلمة من هنا، وآية من هناك، واستبدال كلمة بكلمة أو تبديل جملة بجملة. ولو أن الوزارة قامت بالتغيير الجذري لما تنبه أحد للجريمة التي دبرت بليل من تقصد حذف الآيات والرموز الدينية، ولكن أبت التياسة إلا أن تفضح نفسها!
تاسعاً: إن وزير التربية والتعليم يتحمل المسؤولية الكاملة عما حدث، بصفته رئيس مجلس التربيةوالتعليم، وهو الحلقة الأخيرة لإقرار الكتب المدرسية، ولا يصدر كتاب إلا بقرار منها.
أما لجان الإشراف، ومستشار التأليف، ومؤلفو الكتب، وأقسام المناهج، فيتحملون المسؤولية إن شاركوا في الجريمة، وإن تمت من وراء ظهورهم، فليعلونها صريحة، ليرفعوا عن أنفسهم المسؤولية، وهي شهادة، (وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ).
عاشراً: لا يقبل أن يكون أعضاء لجان الإشراف على الكتب المدرسية أعضاء لجنة المراجعة التي شكلها الوزير، لأن المسؤولية تطالهم ابتداءً، فهم شركاء للمؤلفين ومنتفعين مادياً، فلا يعقل أن يكون المتهم قاضياً، ولن يتصور أن يتهم المرء نفسه، ولو كان أتقى من عليها.ومن عجب أن يتنطع بعض المشايخ بإعطاء شهادات حسن سلوك للكتب المدرسية، ويتخذون كتب التربية الإسلامية نموذجاً للتعميم على الكتب الأخرى، بينما التزمت لجان كتب اللغة العربية–محل الخلاف- الصمت، ما عدا واحد منهم صرح بالخلل علانية. إن المتنطعين إنما يدلسون على الناس، ويضللونهم، و(سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ).
وبعد... فالحق أحق أن يتبع، وعلى وزير التربية أن يسارع بنزع فتيل الأزمة، والرجوع إلى الكتب القديمة وبالذات اللغة العربية، مع تشكيل فرق تأليف وطنية جديدة تقوم بالتطوير الجذري الحقيقي للمناهج، بعيداً عن القص والترقيع. نريد كتباً حقيقية خفيفة الوزن ثقيلة المحتوى، كتباً تهتم بالمهارات الحياتية لا كتباً تحول الطلبة إلى أقراص معلومات. كتباً تعتز وتفخر بثوابتها وجذورها، لا كتباً ليس لها أساس ولا قرار.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات