ما بين أوكرانيا وسوريا


منذ وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم في بلاده، وهو يعمل جاهدا على استعادة النفوذ الروسي في العالم والذي تلاشى إلى أدنى مستوياته بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وما يبدو أنه كان يبحث عن نقاط ضعف في هذا العالم يدخل إليها للوصول إلى مبتغاه، الذي وجد سبيلا إلى تحقيقه من البابين الأوكراني والسوري. لننظر أولا إلى الموقف الروسي من الأزمة الأوكرانية، وتدخل الجيش الروسي بكل قوة في الشرق الأوكراني، ودعم الأقلية الروسية هناك وإمدادها بالسلاح والمساعدات اللازمة للوقوف في وجه الجيش والدولة الأوكرانية التي كانت تشكل المرتكز العسكري والسياسي الثاني بعد روسيا في منظومة الاتحاد السوفياتي قبل انهياره، وما تلى ذلك من ضم شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، وهو ما حدى على ما هو معلوم بالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات سياسية واقتصادية وفي مجال التعاون الأمني أيضا على الاتحاد الروسي نتيجة تلك الخطوة أحادية الجانب التي فرضتها روسيا، وتشدقت بها انطلاقا من رغبتها الجامحة في العودة إلى واجهة الأحداث الدولية ومقارعة الدولة الأمريكية في الأحداث والمصالح المتبادلة للطرفين في العالم ككل.

وبالإضافة إلى ذلك، وجدت الدولة الروسية ضالة أخرى في إعادة هيبتها الدولية التي فقدت إبان انهيار الاتحاد السوفياتي التي كانت تشكل روسيا ركيزته الأولى، فكان أن تدخلت بقوة عسكرية كبيرة جوية وبحرية وأرضية في الدولة السورية لصالح النظام السوري الذي يواجه ثورة عسكرية من شعبه الذي يعاني من ويلات قصف الطائرات الحربية التي تقوم بها الطائرات الروسية وتلك التابعة للنظام معا، والقوات الإيرانية، وقوات "حزب الله" والقوات المرتزقة الآتية من العراق، وغيرها من الدول ممن باع ضميره للقتال ضد إرادة الشعب السوري الحر.

لكن ما تجدر الإشارة إليه أن أمريكا نأت بنفسها عن التدخل العسكري المباشر في سوريا منذ بدايات الأزمة السورية، خوفا من انهيار المفاوضات النووية مع إيران التي كان أحد بنودها استمرار الرئيس السوري في حكم سوريا، وربما كذلك الامتناع عن إمداد المعارضة السورية بسلاح نوعي يمكنها من الصمود في وجه قوات النظام والطائرات الروسية التي تشير التقارير إلى استخدامها أسلحة فتاكة في قصف مناطق المعارضة السورية، واتباعها سياسة الأرض المحروقة في عمليات القصف، ما أدى إلى استشهاد المئات من أفراد الشعب السوري العزل في مدينة حلب على وجه من الخصوص. هذا التردد الأمريكي الذي يقابله ضغط عسكري روسي وتشدد في المواقف السياسية عبر عنه المندوب الروسي تشوركين في مجلس الأمن باستحالة التوصل إلى حل سلمي في سوريا يحمل في طياته عنصر المناكفة السياسية والعسكرية الروسية للولايات المتحدة الأمريكية.

ليس الغرض هنا مناقشة التردد الأمريكي في التدخل في سوريا عسكريا أو تباكيها على ما يحدث للأرض السورية والشعب السوري وأخر ما ورد في ذلك تصريح الرئيس أوباما بأن ما يحدث في سوريا يفطر القلب، ما دام أن ما يحدث في كل منطقتنا العربية يصب في صالح الكيان الإسرائيلي سياسيا وعسكريا وأمنيا وصالح الكيان الإيراني بعيد التوصل إلى الاتفاق النووي مع أمريكا والغرب، وحماية الأقلية العلوية في سوريا من أية عمليات انتقام من قوى المعارضة، والمحافظة على المصالح الإيرانية والروسية في الدولة السورية.

ما يظهر على السطح، أن روسيا تدفع باتجاه تأزيم الوضع في سوريا بغية الحصول على تنازلات أمريكية وغربية في الملف الأوكراني ورفع العقوبات الاقتصادية والسياسية وغيرها بعد تدخلها في أوكرانيا كما تمت الإشارة إليه. فهل تستخدم روسيا الأسد ورقة مساومة مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تغيير الوضع القائم في سوريا، والتوصل إلى حل سلمي فيها مقابل تراجع أمريكي أوروبي عن الموقف من المسألة الأوكرانية ورفع العقوبات المفروضة على سوريا في سبيل الوصول إلى الحل المأمول؟ هذا ما يمكن أن يكشف عنه المستقبل في مقبل الأيام.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات