الحل السلمي في سوريا - المهمة المستحيلة


هل يعد مفاجئا تصريح المندوب الروسي تشوركين في مجلس الأمن يوم الاثنين 25 سبتمبر 2016 خلال انعقاد جلسة مجلس الأمن لمناقشة الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات النظام السوري وحلفاؤه من الروس والإيرانيين بان تحقيق السلام في سوريا غدا مهمة شبه مستحيلة الان؟ الواقع على الأرض يقول بغير ذلك فالأمر ليس مفاجئا كما قد يرى البعض، فمنذ قيام الثورة الشعبية السورية ضد النظام الحاكم، كانت روسيا هي القوة الأكبر الداعمة للنظام ماديا وسياسيا وعسكريا، وعطلت كل المحاولات التي بذلت في سبيل التوصل الى حل سلمي قضى مندوبها في الامم المتحدة باستحالته، وفي كل جلسات المفاوضات التي عقدت بين قوى المعارضة والنظام كانت الدولة الروسية تتبنى وجهة نظر الأخير غير أبهة بالمعارضة السورية والمعاناة الإنسانية للشعب السوري التي تتفاقم تحديدا في مدينة حلب لعلمها أن معركة هذه المدينة قد تكون هي الفاصلة في إخماد قوى المعارضة السورية ولو إلى حين، كما أنها تعمل على إخلاء مسئوليتها المباشرة عن هذه المعاناة بتحميلها المسئولية للطرف الأمريكي في إفشال الهدنة التي تم التوصل إليها بين قوى المعارضة والنظام، فكيف ذاك؟

منذ بدايات الثورة الشعبية في سوريا على النظام، وروسيا وكما كانت في سابق العهود هي التي تزود النظام السوري يالأسلحة الفتاكة حتى جاءتها فرصة التدخل العسكري الفعلي في سوريا لسببين أولهما واهن وظاهر للتدخل العسكري، وهو محاربة داعش التي تحتل جزءا من الأرض السورية، تعتيما على توفير كافة أنواع الدعم العسكري اللازم لقوات النظام وحلفائه وغطاء سافرا له في محاولته للقضاء على المعارضة السورية المسلحة المنبثقة من رحم الشعب السوري الذي عانى من ديكتاتورية النظام لسنين طويلة، لكن الثورات في التاريخ لا تموت ولا تنكسر ما دام هناك شعب يتوالد ويؤمن بثورته، ويعمل على الحصول على حريته دون كلل أو ملل.

اما السبب الثاني فعودة روسيا من الباب السوري الذي لم تجد غيره، قوة عظمى تسترد مجدا عابرا قضى بانفراط عقد الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي، لاسيما بعد تراجع الدور الامريكي في المنطقة نتيجة تبني الرئيس اوباما لاستراتيجية جديدة عنوانها عدم التدخل العسكري المباشر في المنطقة، والابتعاد عن ممارسة أمريكا للدور الذي كانت تلعبه في العالم ما أتاح لنظام الرئيس بوتين أخذ زمام المبادرة والإفادة من ذلك تنفيذا لأجندة سياسية تعيد للدب الروسي هيبته عالميا.

التسريبات الروسية عن كونفدرالية سورية ودستور سوري جديد تمكن روسيا من أن تكون اللاعب الرئيس في البلد بحثا عن موارد جديدة للدولة الروسية سعيا وراء تحسين المستوى المعيشي للمواطن الروسي تعد من الأسباب الواردة للسيطرة على جزء من الأرض السورية بما تملكه من ثروات بغية استغلالها والإفادة منها مستقبلا في دعم الخزينة الروسية لاسيما عند البدء في إعادة إعمار البنية التحية السورية التي تحتاج لمبالغ كبيرة لاستكمالها، وهو ما بدأه الروس في أوكرانيا وفي القرم قبل أشهر عديدة، ويريدون له أذرعة ممتدة في المشرق العربي، ما يعد سببا وجيها لهم للعمل أيضا على تقسيم الدولة السورية، هذا بالإضافة إلى المحافظة على موطن القدم الذي حصلت عليه على ضفاف البحر الأبيض المتوسط في قاعدتها في طرطوس.

ولم تكن معركة حلب في بدايات شهر أغسطس وحصار المنطقة الشرقية من المدينة إلا بالون اختبار لقدرة المعارضة السورية المسلحة وقوتها النارية على الصمود في وجه القوات الروسية وقوات النظام والقوات الداعمة له خصوصا الحليف الإيراني. وعلى ذلك لم يكن مستبعدا انهيار الهدنة العسكرية التي توصل إليها الطرفان الروسي والأمريكي بين الطرفين المتحاربين في هذا الشهر سبتمبر باستحداث الأسباب الموجبة لذلك، لاسيما بعدم وجود القوى التي تضمن استمرار الهدنة، وصولا الى حل سلمي لما تزل الدولة الروسية تريده مفصلا وفقا لأهوائها وشروطها، وليس إفشال كل جولات المفاوضات بين النظام والمعارضة على مدى السنوات الماضية، والعمل على انهيار الهدنة الحالية من خلال القصف العشوائي لمدينة حلب باستخدام أسلحة فتاكة، والذي وصفه مندوب بريطانيا ومندوب فرنسا في مجلس الأمن بأنه قد يرقى إلى جرائم حرب إلا أكبر البراهين على ما تخطط له روسيا للدولة السورية وتحقيق مآربها هناك، خصوصا بعد كل الترتيبات التي عملت على استكمالها مع بعض القوى الإقليمية ابتداء من التعاون العسكري مع إيران بما في ذلك بناء المفاعلات النووية، وتوريد الصواريخ المتطورة المضادة للطائرات لها، مرورا باستكمال حلقات التقارب التركي الروسي الذي مهد الطريق لروسيا لقصف حلب على نحو ما تمت الإشارة إليه، مقابل إطلاق يد الجيش التركي في محاربة الأكراد الممثلة بقوات الاتحاد الديمقراطي السورية منعا لقيام أية نواة لكيان كردي مستقل على الحدود التركية السورية. وقد لا يكون مبالغا فيه عقد الروس لاتفاقيات مع دولة الكيان الصهيوني، تتخلى بموجبها عن هضبة الجولان السورية كأرض محتلة لصالح هذا الكيان في المستقبل، والأيام مليء بالمفاجآت.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات