محاكمة الكتب والكتاب مستمرة


 أودّ أولاً أن أسجل إعجابي بالخطوة التي اتخذها رئيس الوزراء الرفاعي مؤخراً بشأن إلحاق دائرة المطبوعات والنشر إلى وزارة الثقافة، صحيح أنّ هذه الخطوة قد تأخرت كثيراً، مما سبّب ارتكاب العديد من الأخطاء والخطايا من منع للكتب ومحاكمة للكتاب ساهمت في تشويه سمعة الأردن في مجال الحريات على المستوى الدولي، ولم تكسب أبداً دائرة المطبوعات أياً من معاركها التي خاضتها في منع تلك الكتب أو تخويف كتابها وتوقيفهم عن الكتابة، بل وعلى العكس تماماً فقد ساهمت الدائرة في تسويق الكتب، وإثارة انتباه الجهات الدولية المتخصصة بحرية النشر والإعلام والفكر وأيضاً المؤسسات غير الحكومية إلى دعم هؤلاء الكتاب وتسويق نتاجهم المقموع، وترجمته أيضاً، أما شبكة الانترنت فقد تولت مسألة النشر الالكتروني بديلاً عن الورقي، وإيصاله إلى كل أنحاء العالم، وهكذا تبدو النتائج كارثية وعكسية بالنسبة لكلّ القضايا التي تمت إذا ما أخذنا فيها مصلحة الوطن العليا ومدى الضرر الذي لحق بها، ولكن في النهاية ثمة دائماً طريق للإصلاح قدر الإمكان، فالتراجع عن الخطأ فضيلة...!

والمطلوب الآن من وزارة الثقافة ممثلة بوزيرها الدبلوماسي الفاضل وأمينها الشاعر المبدع أن تبدأ بوقف الأضرار التي ألحقتها دائرة المطبوعات والنشر، ومحاولة ترميم ما يمكن من الملفات السابقة التي ما تزال مثل جرح ينزف، وأتمنى أن تكون أولى الخطوات في تبديل طاقم إدارة المطبوعات بمجموعة من المثقفين المتنورين من موظفي الوزارة أو غيرهم، لأنه من غير المنطقي أن يكون التغيير فقط في نقل المكاتب أو تبعية الدائرة للوزارة من ناحية رسمية ومعاملات ورقية وإدارية بل المطلوب الحل الجذري في تغيير الصورة السلبية التي ترسخت عن دائرة المطبوعات منذ عهود طويلة.

أما ثاني الخطوات برأيي فهي مراجعة قائمة الكتب الممنوعة وإلغاء معظمها وفتح صفحة جديدة، والخطوة الثالثة التي يجب أن تتم بالتوازي مع الخطوتين السابقتين وبأسرع وقت ممكن هو إيقاف محاكمة الكتب المحولة إلى المحاكم حالياً، أي سحب القضايا التي رفعتها الدائرة على عدد من الكتب والكتاب، وإغلاق هذه الملفات نهائياً، وأخشى أن يخرج علينا المدير المومني مجدداً لينفي أنّ هناك كتباً وكتاباً وناشرين يتعرضون للمحاكمة، وأنا أحيله هنا لمحاكمة ما تزال قائمة منذ أكثر من سنة لكتاب" مراجعات في الفكر الإسلامي " للشيخ النيل عبد القادر أبوقرون، وهو وزير سوداني سابق ومفكر إسلامي متنور من المتصوفين المعروفين بالتسامح الديني، ومحبة الرسول الكريم (ص)، ونشر صالح الأخلاق التي وجدت لها آفاقا رحبة في قلوب الكثير من أحبائه في شتى أنحاء العالم، ولست هنا في معرض مدح الرجل، وبيان أهمية كتبه وطروحاته، ولكن أقول: لمصلحة من سيدفع الناشر محمد الشرقاوي مدير دار " ورد" الأردنية للنشر عشرة آلاف دينار غرامة له على نشر هذا الكتاب، ومثلها للكاتب الضيف أيضاً، ولمصلحة من أيضاً تفتح الأردن - وربما لأول مرة - المجال لمحاكمة مفكر عربي على أرضها...!

إن الرسالة واضحة من إلحاق دائرة المطبوعات والنشر بوزارة الثقافة، وهي خطوة تحسب في اتجاه ترسيخ الحريات، ودعم الفكر والتعددية والانفتاح على العالم، وتنسجم مع التطلعات العليا للقيادة، ومن لا يفهم هذه الرسالة بكل إشاراتها الجلية فتلك مشكلته، ولا بد أنه يغني خارج السرب، بل يعيق انطلاقه المتدفق نحو آفاق أرحب..!

لقد كنت عضواً لسنوات طويلة في لجنة النشر في وزارة الثقافة، ونشرنا العديد من الكتب دون الرجوع إلى دائرة المطبوعات والنشر، كما قمنا بتقييم مئات النصوص، ولا أذكر أننا منعنا كتاباً واحداً بسبب الأفكار التي يتضمنها، بل كان الفاصل هو القيمة الإبداعية التي ينطوي عليها، فالكتاب إما أن يكون كتابا متميزاً أو لا يكون..!

ومرة أخيرة أقول إننا بانتظار خطوات جريئة من جانب وزارة الثقافة لتقنعنا بأنّ قرار رئيس الوزراء لن يذهب مضمونه أدراج الرياح، أو يعزز البيروقراطية وأولئك الذين يضعون العربة أمام الحصان..!
كاتب من الأردن يقيم في أبوظبي
yahqaii@gmail.com
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات