في رحاب الذكرى العظيمة ..


ونحن نعيش أجواء الذكرى العظيمة ، ذكرى مولد الهدى ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تتدافع الأفكار وتندفع الخواطر والمعاني ، إلى الحد الذي يصعب على الإنسان ، أن يختار أي القيم والمعاني ، المستوحاة من هذه المناسبة العظيمة ، ليتحدث عنها.

قبل خمسة عشر قرناً ويزيد ، أُعلن في السماء والأرض ، عن استئناف مسيرة الإيمان ، حيث ولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبدأ العد التنازلي لنزول رسالة الله الى الخلق أجمعين بعد أن مُلئت الأرض كفراً وجوراً وظلماً وشركاً ، وجرأة على كل المحرمات ، بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانت البداية الأولى لبدء شروق شمس الإيمان من جديد على الناس كافة. وللأسف الشديد ، في زمن الانحسار ، الذي نعيشه نحن منذ قرون ، فرغت هذه المناسبة من كل معنى عظيم لها ، وتحولت الاحتفالات بها ، إلى قوالب موسمية جامدة ، لا تناقش الفكرة من أساسها: فذكرى مولد رسول الله ، ليست كأي ذكرى ، بل نقطة تحوُّل في تاريخ البشرية ، وبالذات أمتنا ، حيث انتدبت من ربها ، لقيادة هذه البشرية. لقد أراد الله عزّ وجل ، لهذه الأمة بقيادة الرسول عليه الصلاة والسلام ، أن تكون بمستوى التميز والهدف ، الذي جاءت به رسالة الإسلام "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا". ولكن ، بعد أن بدّلنا وغيّرنا وابتعدنا عن محراب الرسالة وصاحبها ، انتهينا إلى نفس المتاهة ، التي انتهى إليها الآخرون ، وانجررنا مغمضي الأعين ، وراء خصومنا ، الذين جرّونا إلى الاتجاه الذي أرادوه: فكانت الحالة التي نعيشها.

وقد آل حالنا اليوم ، بسبب تبعيتنا الفكرية والاقتصادية لخصومنا ، إلى ما نحن عليه ، من تفكك وعجز ، لأننا لم ننطلق من منطلق الإسلام ، عقيدة وشريعة ذات رؤية خاصة: فكانت النتيجة ، أن صدق فينا قول الله تعالى "فمن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا".

إن العرب الذين بُعث فيهم خاتم الرسل ، ونزل القرآن بلغتهم وكانوا الأوائل بحمل الرسالة ، قد عقّوا الرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم ، ورفضوا الخير ، واستجابوا لدواعي الهلاك ، متناسين قوله تعالى "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين".

لقد استبدلت أمتنا ، الخير بالذي هو ادنى ، وشاعت على ألسنتنا ، أكاذيب الضالين: فالإسلام أصبح عند الكثيرين منا ، تخلّفاً ورجعية ، وحتى الذين يظنون أنفسهم ، ما زالوا متمسكين بالإسلام ، غيّروا وبدّلوا، وإلاّ ، من قال أن الإسلام ، يبيح قتل الناس على العوام ويسفك الدماء ، دون حق ، بحجة الدفاع عن الأمة؟،. إن هؤلاء الذين يعيثون فساداً في الأمة ، تحت عنوان الجهاد ، هم أشد خطراً على الأمة من أعدائنا ، لأنهم شوّهوا بعلمهم ، أو بدون علمهم ، صورة الإسلام وجعلوها صورة مشوّهة في أذهان الأجيال الصاعدة.

لم يكن الإسلام يوماً ، مع استباحة الدماء ، دون حق ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم "الإنسان بنيان الله ، ملعون من هدمه" ، لاحظ لم يقل المسلم فقط ، بل الإنسان على العموم ، وهذا دليل قاطع ، على عظمة رسالة الإسلام ، وأنها نزلت رحمة للناس كافة.

إننا اليوم ، ونحن نعيش في رحاب الذكرى العظيمة ، لا بد من الاعتذار لصاحبها: فقد بدّلنا وغيّرنا في الرسالة ، ولم نكن على مستواها ، الذي أراده الله تعالى ورسوله العظيم لنا ، والواقع العربي والإسلامي ، بكل ما فيه من ضعف وتمزّق وشتات وضياع ، بسبب تخلّفنا وعجزنا وعدم إدراكنا ، حقيقة القاع السحيق ، الذي وصلنا إليه ، وما يضمره لنا أعداؤنا ، من عداوة وبغضاء ، يؤكد أننا حقيقة ، لم نعد حملة الرسالة. ولكن وسط هذا النفق المظلم ، الذي حُشرت فيه الأمة ، لا بد للعين المبصرة ، أن ترى النور في آخر النفق ، لأن في الأمة روحاً تسري عبر الزمن: ففي الوقت الذي بقي فيه الاسلام ، عملاقاً شامخاً ، يشحذ منه من شاء ، استقلالاً ووعياً وإرادة ومعرفة ، وما رسالة عمان الا شاهد على ذلك ، الرسالة التي خرجت من رحم الاسلام واستقت من نبعه الصافي: فإن المستغربين اكتووا بنار التخلف والسقوط والانهيار ، الذي آل بهم إلى هذا الانهيار ، وها نحن نرى ثمار ما حاولوا به ، أن يستبدلوا تراثنا: فكانت جنايتهم الكبرى علينا ، جهلاً وهزيمة وفرقة.

في رحاب الذكرى العظيمة لمولد سيد الخلق ، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، لا بد لنا من أن نراجع حساباتنا ، لنعلم أين نقف من الرسالة المحمدية ، وكم ابتعدنا عنها ، حتى نستطيع كأمة ، أن نقوّم الاعوجاج ، الذي أصاب مسيرتنا ، ووصل حالنا إلى ما هو عليه ، علّنا نستطيع استدراك انفسنا قبل فوات الأوان.
التاريخ : 28-02-2010
 



تعليقات القراء

ابو طارق
بداية ارفع يدي مبتهلا الى الله ان وهب والدك صالحين يحيون ذكراه ويعظمون انجازاته ويذكرون الله وان يتغمده بواسع رحمته نعم انها مناس نعم استاذي مااظمها من مناسبة ومااطيبها من كرى نقلت الامة من عصر الظلام الى عصر النور واحيت ربيع القلب والروح بفضل هادينا ومرشدنا وقائدنا رسول الله صلى الله عليه ولم جزاه خيرا عنا وعن امته
كلمات صادقة وجمل بها الايمان يشع فيحيي بالنفس طيب جزاك الله خيرا
02-03-2010 07:41 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات