"بَيمان- درب الليمون" .. رجل بين امرأتين ووطن


جراسا -

نوال القصار

زينب وبَيمان: الوطن، هكذا يبدأ جهاد أبو حشيش روايته الصادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع عام 2015 والتي تحمل اسم "بَيمان".

زينب الأم وبَيمان الحبيبة هما الوطن، كل الوطن، بل كل الأوطان التي أغرق جهاد أبو حشيش في وضع تفاصيل النضال على أراضيها بعد أن يصف المشاهد المتتالية للنزوح عن الوطن الأم، فلسطين، حينما كان الطفل جمال ما يزال صغيراً لا يفهم بعد لماذا تركت العائلة بيتها، ورائحة الخبز في الطابون، "ورائحة الطين تشبه رائحة العشب المتيبس المخلوط بقشر الرمان، خاصة في الصيف لكنني أحب تلك الرائحة التي تنبعث منه في الشتاء عندما تشعل أمي الكانون ويتصاعد لهب الجفت الذي ترميه بين الخشب ليسرع اشتعال النار ثم تأتي بالبرتقال والليمون وتبدأ بعصره ورمي قشره في الكانون، تختلط الروائح ووحدها رائحة الليمون تحتل المكان، تماماً مثل تلك الرائحة المنبعثة من حضنها حينما تضمني وتنشغل بتقبيل خدي"..

حسب الوصف الرائع للكاتب، واقتبس في هذا المجال من الرواية وصفه كذلك لحال الطفل الضائع الذي لا يدري ماذا يجري حوله وهو يسمع كلمات غير مفهومة تتطاير هنا وهناك "اليهود، العرب، وصلوا، انهزموا"، من انهزم؟ من وصل؟ لا يهمني، كل ما يهمني أن تعود بنا أمي إلى بيتنا وحوشه الواسع وتغلق الباب خلفنا لكي لا أرى ولا أسمع كل هذا. ولكن أمي لا تعود بل تسحبني ونركض ونركض معها، لا وقت حتى لننتبه إلى أنفاسنا المتقطعة ولا إلى لهاثنا".


الملفت من وجهة نظري كقارئة استمتع بقراءة الروايات أكثر من غيرها من الكتب الأخرى هو الشخصيات التي يسردها المؤلف لتتخذ كل منها بدورها وضعية الراوي، وبالتالي تأتي اللحظة، أو المكان، أو الحدث، أو التفاعل مع الشخص الآخر المتصل باللحظة والمكان والحدث، موصوفة بإسهاب سلس ولغة عالية حسب المشاعر والعناصر الأخرى المتصلة بهذا الحدث اللحظة، وكأن القارئ يقف على مرتفع شاهق ينظرإلى الأسفل نحو شخصيات المسرح وهي تدور وتتحرك وتتحدث عن مشاعرها بصوت عالٍ عما يحدث تماماً في التو واللحظة.

يكبر جمال في المخيمات حاله كحال جميع الفلسطينيين النازحين واللاجئين عن وطنهم فلسطين وينضم إلى صفوف المقاتلين في مخيمات التدريب في بيروت ليلتقي بمناضلة كردية، بَيمان، هي الآخرى برفقة الرفاق الأكراد الآخرين يتدربون من أجل الحرية والوطن. وبين أصوات الألغام والرصاص المنهمر تنشأ علاقة حب بين الفلسطيني والكردية لتجري الأحداث كما أراد لها الكاتب دون أن تخلو من التأكيد على أن حب الوطن يأتي أولا ويأخذ الأولوية على حب المعشوق .

جهاد أبو حشيش الشاعر أولاً صدرت له عدة دوواين شعر وقراءات وهذه الرواية هي الأولى له، ولو أن القارئ لا يعرف أن أبو حشيش شاعر قبل كل شيء لما كان سيعرف ذلك من قراءته للرواية رغم الحس المرهف والشاعرية في وصف المشاعر واللغة الرقيقة في الحب في مواضع كثيرة من النص.

وربما أردتُ أن أبرز هذه النقطة تحديداً لأن من وجهة نظري الشخصية البحتة، ولأنني أقرأ بنهم أحياناً صادفت بعض الروايات التي كتبها شعراء والتي تغرق في الشعرية في النص لحتى أنك تظن نفسك تقرأ شعراً وليس رواية، وقد استطاع أبو حشيس الانفلات من هذا المأزق – أعذروني لأني أصفه بكلمة مأزق، لأنني أعتقد أن كل شاعر يكتب الرواية يجب أن يميز بين هذين الصنفين الأدبيين في كتاباته لكي يتميز في كل منهما على حدة ومنفصلاً عن الآخر.

وتضيف هذه الرواية وصفاً تفصيلياً دقيقاً لأدب النضال والنزوح وتضع تحت الضوء المعاناة الفعلية للفرد الطفل والمرأة والرجل أثناء الهروب والركض من القصف والقنابل، وحياة المخيم في الصيف الحار والشتاء البارد القارس، ومخيمات التدريب تحت القنابل ووابل الرصاص بينما لا يخلو كل ذلك من مشاعر إنسانية وتداعيات وتحليلات من وجهات نظر الشخصيات التي وضعها الكاتب تروي من وجهة نظرها كل ذلك وأكثر في "بَيمان- درب الليمون".

* نوال القصار / كاتبة وروائية اردنية 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات