وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ


جراسا -

وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)

قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : ( ليثبتوك ) [ أي ] : ليقيدوك .
وقال عطاء ، وابن زيد : ليحبسوك .
وقال السدي : الإثبات هو الحبس والوثاق .

وهذا يشمل ما قاله هؤلاء وهؤلاء ، وهو مجمع الأقوال وهو الغالب من صنيع من أراد غيره بسوء .
وقال سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، قال عطاء : سمعت عبيد بن عمير يقول : لما ائتمروا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه ، قال له عمه أبو طالب : هل تدري ما ائتمروا بك ؟ قال : يريدون أن يسحروني أو يقتلوني أو يخرجوني ، فقال : من أخبرك بهذا ؟ قال : ربي ، قال : نعم الرب ربك ، استوص به خيرا فقال : أنا أستوصي به ! بل هو يستوصي بي

وقال أبو جعفر بن جرير : حدثني محمد بن إسماعيل البصري المعروف بالوساوسي ، أخبرنا عبد الحميد بن أبي رواد عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن المطلب بن أبي وداعة ، أن أبا طالب قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما يأتمر بك قومك ؟ قال : يريدون أن يسحروني أو يقتلوني أو يخرجوني . فقال : من أخبرك بهذا ؟ قال : ربي ، قال : نعم الرب ربك ، فاستوص به خيرا ، قال : أنا أستوصي به ! بل هو يستوصي بي . قال : فنزلت : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ) الآية .

وذكر أبي طالب في هذا ، غريب جدا ، بل منكر ؛ لأن هذه الآية مدنية ، ثم إن هذه القصة واجتماع قريش على هذا الائتمار والمشاورة على الإثبات أو النفي أو القتل ، إنما كان ليلة الهجرة سواء ، وكان ذلك بعد موت أبي طالب بنحو من ثلاث سنين لما تمكنوا منه واجترءوا عليه بعد موت عمه أبي طالب ، الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه . والدليل على صحة ما قلنا : ما رواه الإمام محمد بن إسحاق بن يسار صاحب " المغازي " عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : وحدثني الكلبي ، عن باذان مولى أم هانئ ، عن ابن عباس ؛ أن نفرا من قريش من أشراف كل قبيلة ، اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة ، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل ، فلما رأوه قالوا : من أنت ؟ قال : شيخ من نجد ، سمعت أنكم اجتمعتم ، فأردت أن أحضركم ولن يعدمكم رأيي ونصحي .

قالوا : أجل ، ادخل فدخل معهم فقال : انظروا في شأن هذا الرجل ، والله ليوشكن أن يواثبكم في أمركم بأمره . قال : فقال قائل منهم : احبسوه في وثاق ، ثم تربصوا به ريب المنون ، حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء : زهير والنابغة ، إنما هو كأحدهم ، قال : فصرخ عدو الله الشيخ النجدي فقال : والله ما هذا لكم برأي ، والله ليخرجنه ربه من محبسه إلى أصحابه ، فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم ، فيمنعوه منكم ، فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم . قال : فانظروا في غير هذا .

قال : فقال قائل منهم : أخرجوه من بين أظهركم تستريحوا منه ، فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع وأين وقع ، إذا غاب عنكم أذاه واسترحتم ، وكان أمره في غيركم ، فقال الشيخ النجدي : والله ما هذا لكم برأي ، ألم تروا حلاوة [ قوله ] وطلاوة لسانه ، وأخذ القلوب ما تسمع من حديثه ؟ والله لئن فعلتم ، ثم استعرض العرب ، ليجتمعن عليكم ثم ليأتين إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم . قالوا : صدق والله ، فانظروا بابا غير هذا .

قال : فقال أبو جهل ، لعنه الله : والله لأشيرن عليكم برأي ما أراكم تصرمونه بعد ، ما أرى غيره . قالوا : وما هو ؟ قال : نأخذ من كل قبيلة غلاما شابا وسيطا نهدا ، ثم يعطى كل غلام منهم سيفا صارما ، ثم يضربونه ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل [ كلها ] فلا أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها . فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل ، واسترحنا وقطعنا عنا أذاه .

قال : فقال الشيخ النجدي : هذا والله الرأي . القول ما قال الفتى لا رأي غيره ، قال : فتفرقوا على ذلك وهم مجمعون له .

فأتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره ألا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه ، وأخبره بمكر القوم . فلم يبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته تلك الليلة ، وأذن الله له عند ذلك بالخروج ، وأنزل الله عليه بعد قدومه المدينة " الأنفال " يذكر نعمه عليه وبلاءه عنده : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) وأنزل [ الله ] في قولهم : " تربصوا به ريب المنون ، حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء " ، ( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ) [ الطور : 30 ] وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة للذي اجتمعوا عليه من الرأي .

وعن السدي نحو هذا السياق ، وأنزل الله في إرادتهم إخراجه قوله تعالى : ( وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ) [ الإسراء : 76 ] .

وكذا روى العوفي ، عن ابن عباس . وروي عن مجاهد ، وعروة بن الزبير ، وموسى بن عقبة ، وقتادة ، ومقسم ، وغير واحد ، نحو ذلك .



تعليقات القراء

ابو ثائر
من كان ايمانه بالله صادقا نقيا لا تشوبه شائبه متوكلا عليه كان الله معه
كان سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها
انه نعم المولى ونعم النصير
31-08-2016 09:03 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات