أثبت أن سلاحه الأقوى .. بالرسم قهر ناجي أعداء القضية


جراسا -

"اللي بدو يكتب لفلسطين، واللي بدو يرسم لفلسطين، بدو يعرف حالو ميت"، "هكذا أفهم الصراع: أن نصلب قاماتنا كالرماح ولا نتعب"، "الطريق إلى فلسطين ليست بالبعيدة ولا بالقريبة، إنها بمسافة الثورة"، "متهم بالانحياز، وهي تهمة لا أنفيها، أنا منحاز لمن هم "تحت"، "أن نكون أو لا نكون، التحدي قائم والمسؤولية تاريخية".

قائل تلك العبارات يعرف جيداً أن نهايته الحتمية "القتل"، ويصر على السير في طريق لا ينتهي به إلا إلى القتل، لكن الثبات على المبدأ، والقضية التي آمن بها، مترسخ في أعماقه التي تشربت روح الثورة والانتفاضة، والرفض للخضوع والخنوع.

ذلك هو ناجي العلي، الفنان الفلسطيني المتبني لقضية أمته الإسلامية والعربية، مستخدماً مهارته وموهبته بالرسم في رسوم كاريكاتيرية، كان لها تأثير السم في جسد أعداء القضية الفلسطينية، كما كانت نَفّاخَة للآمال في أرواح من ماتت آمالهم بمصير قضيتهم.

فكان لا بد أن يتحقق ما كان يتوقعه العلي لينتهي سيره بطريق اختاره حباً بوطنه، وتراب أرضه، مقتولاً برصاصة غدر كارهة للحقيقة، وحرية الشعوب. كان ذلك في لندن عام 1987.

استعادة مشوار ناجي العلي في ذكرى اغتياله يمكن تناوله بتفصيل دقيق عبر رسوماته التي قيل إنها تجسدت في 40 ألف رسمة كاريكاتيرية لاذعة، رسمها في خلال مشواره الفني على مدار 30 عاماً.

فرسوماته تشرح كل شيء، بداية القضية الفلسطينية، ومعاصرتها لأحداث الأمتين العربية والإسلامية، بالإضافة إلى الأحداث العالمية، حيث لم يترك العلي حدثاً يتعلق بقضيته الأم إلا وتناوله برسوماته.

رسوماته تكشف عن مقدرة كبيرة في قراءة المستقبل، فالعلي الذي قتل منذ 28 عاماً، وثق في رسوماته تلك أحداثاً تقرأ ما تتعرض له القضية الفلسطينية اليوم.

لقد تحدث عن خنوع الأنظمة العربية، وتجاهل القيود الإسرائيلية التي تكبل فلسطين، وعن مؤتمرات القمم العربية والإسلامية، وعن الخلاف الفلسطيني-الفلسطيني الذي باعد بين الأطراف الفلسطينية، ما أضر بالقضية التي نزف الفلسطينيون دماء كثيرة في سبيلها، وما زاولوا.

بالمقابل أكد العلي أنه برغم كل ذلك الخنوع والاختلاف، تبقى روح الانتفاضة متّقدة في الصدور، يترجمها حاملوها إلى أفعال على أرض الواقع، تنزل الرعب في صدور المحتلين، ويبقى الحجر بيد المنتفضين، وتبقى الجدران تلهب كتاباتها الثورية الحماس في صدور الأجيال، وترعب المحتل رسوماتها التي تعلن عن انتفاضة مستمرة.

ناجي العلي لم يكن رسام كاريكاتير عادياً، بل كان قائداً ثورياً، من صبغة أولئك الواضعين أرواحهم في راحاتهم، يوجه الثوار من قلمه الذي يرسم خطوطاً تخاطب الروح الثورية، وتوقظ الحس الوطني، وتزرع حب الانتماء للأرض.

ولد ناجي سليم حسين العلي العام 1937 في قرية الشجرة، وبعد الاحتلال الإسرائيلي لفسطين هجّر مع أهله إلى جنوب لبنان، حيث عاشوا في مخيم عين الحلوة، وبعد إنهاء دراسته هاجر إلى الكويت، والتحق بعدد من الصحف الكويتية كرسام كاريكاتير، قبل أن يعود إلى صحيفة السفير اللبنانية، لكنه التحق مجدداً في العام 1982 بجريدة القبس الكويتية.

وأجبرت ضغوط سياسية ناجي العلي على الرحيل إلى لندن في العام 1985، حيث اغتيل هناك، فقد وقعت العملية في 22 يوليو/تموز 1987 في أحد شوارع لندن، إذ أصيب تحت عينه اليمنى، وبقي في المستشفى إلى أن وافاه الأجل في يوم 29 أغسطس/آب 1987 متأثراً بجراحه.

بذلك يكون العلي انتصر برسوماته التي كانت سلاحه الذي يحارب به من أجل قضيته، مثبتاً أن الرسم أبلغ من الرصاص.

ابتدع الرسام ناجي العلي شخصية حنظلة البالغ من العمر 10 سنوات، حيث ظهرت أول لوحة تضم هذه الشخصية عام 1969 في جريدة السياسة الكويتية.

يقول العلي عن حنظلة: "ولد حنظلة في العاشرة من عمره، وسيظل دائماً في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين، وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة، ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء".

وأما سبب تكتيف يديه فيقول العلي: "كتفته بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973؛ لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبع".

أصبح حنظلة فيما بعد بمثابة توقيع ناجي العلي على لوحاته، وحظيت بحب الجماهير العربية؛ لكونها تعبيراً عن صمود الشعب الفلسطيني بوجه المصاعب التي تواجهه.

العلي أيضاً كان يكرر رسم شخصيات أخرى في لوحاته، مثل شخصية فاطمة التي لا تعرف المهادنة، فيما كان زوجها فاقداً للأمل.

كذلك كان العلي يكرر شخصية أخرى، بهيئة رجل سمين بمؤخرة عارية، وبلا أطراف سفلى، تمثل "القيادات الفلسطينية والعربية المرفهة والخونة والانتهازيين"، وأيضاً شخصية الجندي الإسرائيلي طويل الأنف.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات