هل الانتخابات لمجلس نيابي أم لمجلس عشائري؟!


مِنَ المُلاحظِ أنّه كلّما ضَعُفَتْ هيبةُ الدّولةِ ،قويتْ شَوكةُ العَشيرةِ ،وأخذتْ بالتمرّدِ والعصيانِ ،حيثُ يحلُّ الولاءُ للقبيلةِ أو العشيرةِ ،مكانَ الولاءِ للأمّةِ والوطنِ ،وهذا مخالفٌ لمفهومِ الوحدةِ والتلاحمِ الوطنِيِّ.
وقدْ استردّتْ العلاقاتُ العشائريةُ في السنواتِ الأخيرةِ قوّتَها وأعرافَها ،وأعادتْ إنتاج قِيَمِها وتقاليدِها ،وهذا يشكّلُ خطرًا عظيمًا وشرًا مستطيرًا على الوطنِ ،لأنّه يُولَدُ أجيالاً لا تعرِفُ معنَى الانتماءِ والولاءِ للوطنِ ،ومفهومِ الدولةِ الحديثةِ ،وروحِ المواطنةِ.
إنَّ الاعتزازَ بالقبيلةِ والولاءِ لها دونَ الوطنِ ،يتحوّلُ إلى قَبَليَّةٍ ،وهذا يشيرُ إلى ضعفِ الاندماجِ الاجتماعِيِّ العضوِيِّ في المجتمعِ مع المُكوِّناتِ الاجتماعيّةِ الأخرى ،وعدمِ قدرتِها على التوحّدِ في هويّةٍ وطنيّةٍ واحدةٍ تحققُ الانسجامَ والأمنَ والاستقرارَ والتعايشَ السلمِيّ فيما بينِها، وهنا مكمنُ الخطرِ.
لقدْ أصبحَ تضامنُ العشيرةِ مع أفرادِها عُرْفًا سائدًا هذهِ الأيام ،ولو خالفوا الحقَّ واقتفَوا أثرَ الضلالِ ،على قاعدةِ"انصرْ أخاكَ ظالمًا أو مظلومًا"على ظاهرِ معناها ،فتقفُ العشيرةُ مع أفرادِها ،على قاعدةِ أنَّ العشيرةِ التي لا "تهبّ" لنصرةِ ابنِها، "مقصرةٌ" في حمايةِ منتسبِيها ،ولا تنصرُ مظلومِيها.
وقدْ وجدنا مَن يستقوي بالعشيرةِ ،فيحشدُها ويثوِّرها ،ويقيمُ المِهرجاناتِ ،لتغليبِ مصلحتِهِ الشخصيَّةِ على مصلحةِ الوطنِ ،على قاعدةِ .
ومَا أنا إلا مِنْ غُزَيَّة إنْ غَوتْ *** غويتُ وإنْ تَرشُدْ غُزَيّةُ أَرْشُدِ
أودُّ التأكيدَ أننَي لستُ ضدَّ العشائريةِ بوجهِهَا الايجابِيِّ النبيلِ, وأنَّنِي أعتزُّ بالانتماءِ إلى عشائِرنَا, لكنَّنِي لستُ معَ ما يسمى بإجماعِ العشيرةِ ،على اختيارِ أحدِ أفرادِها للانتخاباتِ النيابيّةِ ،لأنّ ذلك يُكرِّسُ العشائريَّةَ والمناطقيّةَ والإقليميَّةَ والجهويَّةَ ،فلو كانَ الولاءُ للقبيلةِ ما قاتلَ النبيُّ - ﷺ - قريشًا ،ولو كان الولاءُ للعائلةِ ،ما تبرّأ النبي ﷺ من أبي لهب.
ولأنه يحوِّل العائلةَ والعشيرةَ إلى وحدةٍ سياسيةٍ ،لتصفيةِ الدورِ التشريعِيِّ والرقابِيِّ للبرلمانِ ، فبدلَ أنْ تكونَ انتخاباتٌ نيابيةٌ تصبحُ انتخاباتٍ عشائريَّةٍ ومناطقيّةٍ بامتيازٍ.
كما أنه يحطُّ مِن كرامةِ الفردِ ،لأنّ كلَ أفرادِ العشيرةِ ,سيساقون كالقطيعِ إلى مراكزِ الاقتراعِ، لمنحِ أصواتِهم لمرشحِ الإجماعِ المشارِ إليهِ .
كما أنّه النقيضُ الصارخُ لمرشحِ الوطنِ ،الذي نتمنّى ونريدُ, لأنّ همَّهُ سيكونُ منصبًا على ما يُرضِي أفرادَ عشيرتِه ,ممَّا يجعلُنا نخسرُ صوتاً يهتمُ بقضايا الوطنِ كافةٍ.
أضفْ إلى ذلك ،انعدامُ وجودُ المعارضةِ الفاعلةِ ،ليصبحَ دورُ البرلمانِ دورَ المتواطِئِ ضدّ المصلحةِ العامةِ ،مِن أجلِ إعلاءِ المصلحةِ الخاصةِ للناجحِين مِن ممثِلي العائلاتِ والعشائرِ والمناطقِ ،والحالُ هكذا، لن يكونَ البرلمانُ إلا مُلحقاً باهتاً للسلطةِ التنفيذي



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات