جميلة هي الطفولة


 جميلة هي الطفولة التي تظل تلاحقنا كلما كبرنا لتؤكد لنا أنا ما زلنا - وبرغم الشيب الذي غطى مساحة الرأس ، وبرغم العمر الذي يتدحرج ويكبر ككرة الثلج امامنا - ما زلنا نصاب بارتعاشات طفولية حميمة تجاه الحياة.

جميل هذا الطقس الشتوي الذي يقدم شمسه الخجولة من وسط هذه السحب المتعرجة الحواف لأنه يمنحنا بهجة خاصة توقظ فينا احساسنا الطفولي الذي يوقظ عندنا فكرة التلذذ بالاختباء ومراقبة المناخ الربيعي بتلك الشهقة الخافتة التي تستدعي كل الصور الطفولية النزقة.

جميل هذا الطقس الربيعي الذي يقودنا الى ازقتنا الاولى وحاراتنا الاولى والى تلك الدهشة التي كانت تنتاب طفولتنا الغضة لحظة خروجنا من بوابة الدار ومشاهدة كل البيوت والمدى الشوارعي وهو يغرق في هذا البلل الطقسي بانتظار شقاواتنا التي ظلت مؤجلة طوال الليلة الفائتة.

جميلة هي الطفولة التي تظل تعاني من حصارات العمر وفي لحظة مباغتة تبدأ بالتدفق العفوي والجميل لترك خطواتنا وتجعلنا نتوقف قليلاً كي نرقب طفولتنا الناهضة في موقف عابر.

فالشجرة التي ودعت خريفها وبدأت بالتفتق الورقي الاخضر هي بوصلة تدلل على الاشجار وهي تغتسل من خريفها الجاف وتسترد طفولتها الورقية من جديد كي تبدأ بالنمو وطرح الثمار. وهي هنا تبح صوتها بالنداء على اسمائنا كي نزيح تجعد ملامحنا وتراكم الشيب فوق القلب ونبدأ باستحضار طفولتنا هذه التي تعاقب كل صباح بالتستر عليها تحت وهم الوقار والكبر.

والاغنية التي تطير من نوافذ البيوت ومن الشرفات وحتى في الشوارع المزدحمة بالناس وبالحافلات هي دعوة لاسترجاع طفولة كان ينهضها ويهيجها الغناء الذي كان يقود الحبيبة مخفورة بذاك المشهد البهي متجددة ومنبعثة بشكلها الاول الذي كان يجعل طفولتنا ترتج بالرؤى المدهشة.

جميلة هي الطفولة خندق العمر الاخير وهي تمد يدها كي تصافحنا وتضمنا بعناقها الحميم لحظة حاجتنا الملحة اليها. جميلة هي الطفولة وهي تمد لنا يدها كي تسحبنا من عثرات العمر كي تعيد لنا تأثيث أرواحنا من جديد.

وجميل جداً تشبثنا ببساط الطفولة الذي نظل نسعى الى عدم سحبه من تحت اقدامنا. لانه وحده من يعطينا قدرة كل هذا التدفق العفوي باتجاه الحياة.

جميلة هي الطفولة التي هي بالفعل طوق النجاة الوحيد التي تنقذنا كلما احاط العمر باعناقنا حد الاختناق والقتل.

جميلة هي الطفولة التي تعيد تشييد مشهدنا الحياتي الاول كي نعاود الحياة من جديد وبهمة طفولية نادرة. والمجد كل المجد للطفولة التي نقبض عليها كتميمة تحمينا من كل هذا الثقل العمري الذي لا يرحم.

khaleilq@yahoo.com

 


التاريخ : 22-02-2010
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات