خواطر عن فلم اسكندرية ليه (الجزء الثاني)


كلمة عن فئة الفلم و أجوائه العامة و القند الذي احاط به :

ليس هنالك جدوى من مقارنة الفلم السينمائي "اسكندريه ليه" مع مثيلاته من افلام autobiography (1)او السيرة الذاتية إطلاقا، أستطيع ن أصنع هذه المقارنة بكل سهولة فبالمقارنة النقدية ستتبين عناصر الفلم الجاري نقاشه بالمقالة سواء القوية منها او الضعيفة...و لكن هنالك عنصر واحد في هذه الملحمة الكبيرة سيجعل هذه المقارنة تبدو عبثية جدا، فترك يوسف شاهين بصمته المبدعة كالمعتاد بإمتياز في هذا العمل لِيُقَزِمْ باقي أعمال الـautobiography التي قد تنافسه في عالم السينما و الدراما...بل إذا تمت هذه المقارنة سيجعلها تضمحل الى أعمال هواة صغار بجانب ما قدمه بهذا العمل، ليس مرادي التبهير و التبجيل بصورة عشوائية كما يفعل بعض النقاد بإطلاق المديح العشوائي على الافلام و المسلسلات الدرامية لأجل مصلحة ما أو لإرضاء شخصية فنية اشتركت في عمل مُعَيًنْ ...فشاهدته اربعة مرات لأتأكد بأن ما تشاهده عيناي ليس وهم بل حقيقة، و لأصل الى هذا الإستنتاج عن قناعة...بأن يوسف شاهين أخذ قراره المبدع بتقديم سيرته الذاتيه من خلال شخصية تحمل اسم يحي...و هي تعبر عنه بصورة مطلقة ليستخدم أسلوب 3rd person في تقديم السيرة الذاتية...ليصنع المستحيل بعينه و يقدم أقوى الإعترافات عن حايته المهنية و الخاصة، فنجح في التجرد أمام جمهور الوطن العربي و العالم من الخصوصية و بتقديم فلم يرتقي الى درجة المثالية في السِيَرْ الذاتية؟!

ما فعله يوسف شاهين هو كسر ناجح للحواجز النفسية الطبيعية التي قد تعيق اي محاولة لتعرية الذات)2( من قِبَلْ اي أديب أو كاتب لكتابة السيرة الذاتية، يرى علماء طب النفس أن كتابة السيرة الذاتية لن تكون بالمصداقية المطلوبة لو قام بهذا العمل صاحب السيرة نفسها، و يعلل هذا الأمر العلماء بأن قدرة الكاتب و امكانيته على تذكر بعض الأحداث تَضْعُفْ إذا قام بكتابة القصة بنفسه، لذلك قد يؤدي هذا بالنتيجة الى صدور كتاب او حتى إنتاج فلم يحتوي على معلومات غير دقيقة و تبتعد عن المصداقية المطلوبة، و يضيف علماء الإجتماع و طب النفس بأن هذا الأمر قد يفتح المجال لكُتًابْ هذه الفئة لإعادة صياغة التاريخ من جديد؟! هنا تكمن خطورة كبيرة حيث ارتكاب هذه الأخطاء اللاارادية هو نوع من أنواع تزوير التاريخ، لذلك تجربة يوسف شاهين تُعَدْ فيصلية بهذا الأمر و تجيب عن قدرة الإنسان في أبداع سيرة ذاتية تتضمن حالة من المثالية في التجرد الكلي للخصوصية التي قد تحيط بحياة الإنسان،

قد اتفق مع بعض النقاد في ما قالوه، نقلا عن مقالة في موقع في الفن3) ) فالناقد فرناندو كروس على موقع ساين باشن (cine passion) يقول "يوسف شاهين صور علاقة الفنان بالمدينة بشكل مميز مثلما فعل فيديريكو فليني في فيلمه "روما"، شاهين يقدم في الفيلم دراما عن ذكرياته ويرصد لنا مدينته والحياة فيها وقتها، ويظهر الهوية الشخصية والثقافية من خلال العلاقات المتنوعة بين الأشخاص في الإسكندرية والتي رصدها الفيلم." و لعل هذا التعليق للناقد فرناندو يعبر عن روح الفلم بصورة ممتازة، فالمراجع العلمية تصف الإسكندرية بكوزموبوليتن حيث شهدت هذه المدينة ارقى حالات الحضارة و التعايش الإنساني و السلمي بين البشر الى مشارف الحرب العالمية الثانية (4)، فبعد أن استولى نابوليون بونابارت على الإسكندرية في القرن الثامن عشر من العثمانيين بسهولة و بدون مقاومة تذكر اعتبر العثمانيون الأمر بالإعتداء عليهم، و وقف الإنجليز و الروس بجانب الدولة العثمانية و عرضوا المساعدة على القصر الحاكم في الدولة لإخراج الفرنسيين من مصر، و نتج عن هذا التحالف معركة شرسة في الإسكندرية عام 1801 أدت الى انسحاب القوات الفرنسية من مصر...مما ادى الى دخولها عصر حديث مليئ بالإنجازات الراقية و النهضة في جميع المجالات،

تدين الإسكندرية بالكثير لمحمد علي باشا حيث اعاد لها الحياة من جديد بأكثر من مجال حيوي، ففي عام 1820 انتهت الدولة من حفر قناة المحمودية لربط نهر النيل بالإسكندرية و مما كان له الفضل الكبير بإنعاش الإقتصاد كثيرا، و تم تصميم الميناء الغربي ليكون هو الميناء الرسمي لمصر و تم بناء منارة حديثه عند مدخله، و يضاف الى هذه الإنجازات أن منطقة المنشية كانت بالأساس من تصميم مهندسيه، و شيد محمد علي في حي رأس التين و الذي يعد أكثر مناطق الإسكندرية شهرة و عراقة مقره لتصبح بذلك الإسكندرية مقر لقناصلة البعثات الدبلوملسية للدول الغربية، و ساعدت هذه العوامل جميعها بتكوين شخصية أوروبية للإسكندرية حيث جذبت العديد من الفرنسيين و اليونان و اليهود و الشوام، و هذا كله اصبح ممكنا بسبب الإنتعاشة التي اعطاها الله لهذه المدينة ثم بفضل جهود حكامها، كما تم إنشاء في هذه الحقبة دار الصناعة البحرية في المدينة و التي يطلق عليها حاليا "الترسانة البحرية" و ذلك لتلبية احتياجات الأسطول المصري.
سيكتب للإسكندرية بفضل جهود محمد علي و خلال المائة و خسمة أعوام القادمة أن تحتفظ بهذه النهضة الثقافية و العمرانية و الحضارية، فأصبحت أهم ميناء في البحر المتوسط و مركزا للتجارة الخارجية و أصبح لديها نسمة متعددة الأصول و الأعراق و اللغات و الثقافة، و تحت حكم خلفاء محمد علي استمرت في نموها الإقتصادي لتشهد في عهد الخديوي اسماعيل بالذات اهتماما يشابه الإهتمام للذي أولاه لتخطيط القاهرة، فأنشأ بها الشوارع و الأحياء الجديدة و تمت انارة الأحياء و الشوارع بغاز المصابيح بواسطة شركة اجنبية، و أُنْشِئَتْ بها جهة خاصة للإعتناء بتنظيم الشوارع و للقيام بأعمال النظافة و الصحة و الصيانة، و وضعت بمناطق الأسكندرية شبكة صرف صحي و تصريف لمياه الأمطار، ثم رُصِفَتْ الكثير من شوراع المدينة و قامت ايضا احدى الشركات الأوروبية بتوصيل المياه العذبة من منطقة المحمودية الى المدينة و توزيعها بواسطة "وابور مياه" الإسكندرية، و أنشئت بالمدينة مباني ضخمة و عمارات سكنية فخمة في عدد من الأحياء كمنطقة محطة الرمل و كورنيش بحري...

و لكان لهذه الروعة الحضارية التي كانت تتمتع بها احيائها العامرة موعد مع حروب مدمرة أثرت عليها بصورة سلبية، فالقصف البريطاني للإسكندرية الذي دام يومين بهدف الهيمنة على مصر و الدفاع عن المصالح البريطانية بعد مخاوف من الأضطرابات السياسية التي كانت تشهدها أعلن بداية الإنتداب البريطاني لمصر و الذي دام سبيعن سنة، و اثناء هذا الإنتداب زاد عدد الأجانب في الإسكندرية و خاصة اليونان حيث أصبح لهم جالية و مركزا تجاريا و ثقافيا هام في البلاد، و أصبحت الإسكندرية و قناة السويس مواقع ذات أهمية استراتيجية بالنسبة الى القيادة البريطانية، و عَبَرَتْ السنين بالإسكندرية التي كانت تهنأ بارقى انواع التعايش بين الجنسيات المقيمة في اراضيها بالرغم من التوترات السياسية التي كانت تشهدها من حين لآخر بسبب الإنتداب الأجنبي على اراضيها...الى أن وصلت الى حقبة الحرب العالمية الثانية، و التي حولتها سريعا الى ساحة من ساحات المعارك الشرسة بين جيوش هتلر الجرارة و الجيش الملكي البريطاني، فالقصف الالماني الإيطالي لها تسبب بأضرار جسيمة لبنيتها التحتية و لأقتصادها و أحيائها، و راح ضحية هذا القصف المرير الآلآف لتصبح الإسكندرية أكثر المدن المصرية تضررا من هذه الحرب الكبيرة،

يا لسخرية الاقدار فالبنيان الذي شهدته هذه المنطقة المصرية العريقة في العقود السالفة للحرب العالمية الثانية انتهى مع بداية هذه الحرب التي زلزت سلام العالم بأكمله من شماله الى جنوبه و من شرقه الى غربه، و جلبت للإسكندرية جاليات و جنسيات من دول التحالف التي كانت تتصدى لجيوش المحور الكاسرة، فهذه المرة سكنتها الجاليات الأجنبية بزيٍ عسكري عِوَضْ عن المدنيْ...و حملت بيديها البنادق و الرشاشات بدل الثقافة و الزهور و الحقائب الدبلوماسية، و زحفت الى اراضيها آلآف مؤلفة من الدبابات و المدافع بدل السيارات المسالمة التي كانت تسير بآمان في الشوارع و المناطق السكنية، و رست على سواحلها البوارج الحربية العملاقة لتتعكر صفوة مياه بحرها بجثث الموتى و الدماء البشرية الفانية من ويلات المعارك، و انتشرت في جلد السماء الطائرات العسكرية برشاشاتها السريعة و قنابلها القاتلة و التحمت مع جيوش التحالف شر التحام لتسرق هذه الأحداث المؤلمة البسمة من شفاه المواطنين و الفرحة من عيون الأطفال و راحت البال من النساء و الشيوخ، فانطفأت شعلة دهر من الإستقرار في الإسكندرية ليقف أهلها عند جحيم ملتهب من المشاكل و عند مفترق للطرق أجبر الكل على قرارات مصيرية لم تكن بالحسبان على الإطلاق...و كذا الحال مع ابطال هذا العمل جميعهم بلا استثناء،

فلم اسكندريه ليه يقدم لنا شخصيات توقفهم الحرب العالمية الثانية عند مفترق طرق حساس في حياتهم و كما أسلفت في الجزء الأول من مقالاتي عن الفلم، و لكن كل مشاهده مغموسة بحالة انسجام و عشق مثالية إنسانية و متسامحة تنطلق من الواقع الإجتماعي الذي فرض نفسه و فرض هذا الإنسجام على المجتمع الإسكندراني، و هو تعايش اهل البلد لفترات طويلة من الزمن مع الجاليات التي جلبت ثقافتها و ثقافة بلادها الى مصر، و من الأمثلة على هذه الحالة هي انسجام يحي مع زملائه في المدرسة بصورة كلية بالرغم من أنهم من طبقات اجتماعية مختلفة، فيحي ينحدر من اسرة متواضعة ماديا و ديفد و محسن من أسر ثرية و لكن لا نرى هذا عائق أمام صداقة قوية بينهم، فيتقدم عنصر المثالية هنا لدرجة مبالغ بها ليجعلنا نستفسر هنا إذا كان هدف الراحل يوسف هو خلق هذا الإنسجام من وحي الخيال ليقدم روح التعايش و الإنسانية بمسقط رأسه على أكمل وجه و يقدمه بالأهمية على الحقيقة و الوقائع؟ صاحب هذا الفلم متوفي و رحمة الله عليه و أصلي بكل صدق أن تكون نفسه مرتاحة في جنة الرحمن تعالى لكن اقدم هذا التساؤل بكل وقار و تقدير لكي أبين للنخبة القادمة من رواد السينما الذين يحبون هذه النوعية من الافلام هذه النقطة الجدلية بوضوح أكبر لأساعدهم في تقديم الافضل في عالم الدراما، فلذلك اسعى لتقديم نقاط الضعف و القوة في هذا العمل من باب واجبي كناقد لاساعد صانعي الافلام في بناء خبراتهم الحالية و القادمة على الخبرات الكبيرة و الناجحة ليوسف شاهين و لجيل المنتيجين و المخرجين السالف، فإذا كان الأمر كذلك بتقديم الصورة المثالية لتتواتر مع موضوع و روح الفلم فلا ضرر من هذا الخيال إطلاقا مع الأخذ بعين الإعتبار أن لا ننساق به كعامل قد يطغى على درجة مصداقية الأحداث في الفلم، فبالنهاية عالم المدرسة يمتاز بالبراءة و نقاء القلب و لا ضرر من تقديمه بالصورة المثالية قليلا،

مثال آخر على درجة رُقِيْ التسامح و الإنسانية و التعايش الذين يقدمهم هذا الراحل الكبير في اسكندريه ليه هو علاقة الحب بين سارة سوريل و ابراهيم الطالب الجامعي، فقصة حبهم النقية انولدت بين مشاهد الحرب المدمرة كالزهر الذي ينبت بأعجوبة في ارض جافة و مخضبة بالدماء، كانت المحرمات تتجسد أمامي بكل اقتدار بين نظرات الحب و الغرام التي كانت تقولها عيون سارة لابراهيم المُلَوًعَة بنار الحب و الغرام...و تلاقيهم بمشاهد الحب حركت نيران العشق في القلوب و قالت لنا بأن الحب يستطيع كسر أغلال الحقد و العنصرية و يمحي قلة الإنسانية من حضارتنا البشرية...و بأن الإنسانية لغتها اقوى و مداركها أوسع بكثير من حدود الطائفية التي تكبل المحبة و الحب في قلوب البشر و تمنع المعاملة الحسناء بين ابناء جنس البشر، فهذه القصة للذي يفهم تقدم لنا انفس طاهرة أحبت و أخلصات لحبها و لو بقالب مثالي ليصفع بها الراحل يوسف مناصري العنصرية و ليقول بأن للإنسانية قدرة على صنع الفروقات، و ما اروع موقف والد ساره سوريل...فردة فعله و تفهمه لهذه العلاقة حينما أخبرته سارة عن قلقها بشأن قرار سفرهم الى جنوب افريقيا، أنها طريقة تفكير بشر راقي يقدرون المشاعر و الأحاسيس الإنسانية أكثر من التعصب الطائفي الأعمى الذي يُكَسِرْ عنفوان الحب في الفؤاد و التعصب الهمجي...فعن طريقة هذه العلاقة الرائعة يتبين لنا الحالة الراقية التي وصل اليها التعايش في الإسكندرية.

يتحفنا الناقد الأمريكي الكبير جوناثن روزنبم برايه (3) حول الفلم في صحيفة Chicago Reader، فيقول نقلا عن الموقع و مترجم عن النص الاصلي "أن هذا الفلم الذي تم انتاجه سنة 1978 هو الأول في ثلاثية السيرة الذاتية الرائعة و الغير سهلة للمخرج المصري يوسف شاهين عن الإسكندرية، فازت بجائزة الدب الفضي في مهرجان الفلم في برلين، تحدث أحداثها اثناء الحرب العالمية الثانية حينما يقترب رومل بجيوشه من المدينة، وحيث يختبر الشاب الذي يقوم بدوريوسف شاهين في الفلم محسن محي الدين صراعات ذاتية و مهنية وجنسية، هذا الفلم هو عمل يحتوي على أكثر من عنصر ناجح، و لكنه ليس بمستوى خاتمت الثلاثية أسكندرية كمان و كمان..."

يحي هو يوسف شاهين في الفلم و هو إنسان مميز جدا بحبه للسينما، فَيُرَكِزْ الراحل الكبير هلى هذا الأمر منذ أولى مشاهد الفلم، فنراه إنسان طيب الخلق حساس بطبعه مغامر فلا يخاف من خوض التجارب الجديدة في حياته كما أنه مثابر، فَتَبْرُزْ به هذه الخصائص من خلال صداقاته و تفاعله مع المجتمع المحيط به وقت الحرب، فمجتمع الإسكندرية تغير كليا وقت الحرب لتصبح الضيقة هي المسيطرة على الوضع العام في البلد، فلذلك نرى الأحوال المادية لأسرته تتأثر بصورة جوهرية بالضيقة التي تصيب اقتصاد البلد، و بالرغم من هذا الامر نرى والده الوطني النزيه غير قادر على التأقلم مع قانون الحرب و استغلال البشر لِيُصْلِحْ من وضعه المادي، بالمقارنة مع نزاهة والد يحي المرحوم المحامي أديب شاهين نرى مرسي البلطجي يحسن فهم لغة خلع المبادئ خلال فترة الحرب و التجارة بكل المحللات و المحرمات الممكنة ليكسب قوته، فحتى لم تسلم من شر نواياه إنسانية البشر ليخطف و يبيع جندي أجنبي الى ابن عائلة ثرية ليقتله كإثبات عن نواياه الوطنية للقوى الوطنية في المدينة؟!

نرى يحي خلال حياته و دراسته الأكاديمية نشيط بمجال الأدب و التمثيل المسرحي، فأثناء حصة أدب الإنجليزي حيث يفشل فيها زملاء له بتسميع مقطع من مسرحية لشيكسبير يطلب من الاستاذ الإذن ليقف امام زملائه و يؤدي هذا المقطع بجرئة مميزة بالفعل...فنراه ينسجم مع المقطع الأدبي للرواية لدرجة أنه يقوم بتمثيلها امام الحضور، و نراه ينظم مسرحية ناجحة جدا يوم معركة العلمين الشهيرة و لكن يفشل بآخرى كانت تحت رعاية ملكية بوقت لاحق، مما يفقده دعم أهله لموهبته لفترة، فنرى خيبة الأمل في عيونهم حينما يطلب منهم لاحقا السفر الى أمريكا لدراسة الدراما و السينما، يعمل يحي لفترة في بنك مصرفي نتيجة هذا الأمر و لكن نزولا عند رغبته و شدة تعلقه بالمسرح و الدراما ينجح بعد نقاش و مواجهة حادة في اقناع أهله بضرورة سفره الى أمريكا، فمثابرته بالسعي وراء اتمام طموحه كان كبيراً جدا لدرجة أنه ارغم أهله على دعمه بشتى الطرق الممكنة لجعل أمر سفره الى أمريكا ممكنا...

يحي إنسان مفعم بالحياة و حب المغامرة فنراه يغامر بالسفر الى بلاد الخارج ليبحث عن الفرصة و الأمل و لكي يكتشف ما يمكن اكتشافه وراء البحار، فبالرغم من ضراوة و بشاعة الحرب التي قلبت كيان الإسكندرية و بلاده لم تنطفي جذوة الكفاح في قلبه ليبرز طاقاته بالدراما، فما لفت إنتباهي في الفلم هو كمية الأمل و الطيبة الساكنة في كيانه لدرجة أنها كانت كالأتون المشتعل في قلبه طوال فترة المشاهد في الفلم...و كأن الضيقة لم تنجح بترويض عنفوان حبه للمغامرة و للسينما...فسافر و لم يكن في جبيه المال الوفير الى بلاد غريبة وهو بعد شاب يافع فليست حتى لديه معارف في أمريكا...لتبرز خصلة آخرى في شخصيته لم تتوضح إلا بآخر مشاهد الفلم، و هي الجرأة، الله ربي ايها الراحل من تلك الموهبة التي أشعلت بك حب المغامرة و الكفاح لتسافر الى ما وراء البحار لِتُغَازِلْ موهبتك بالجرأة و المحبة للمهنة و لتصقلها بالعلم...أمر تركني بتفاجئ كليا من أحداث الفلم...

بين ثنايا الحب الصادق للسينما و للدراما و المشاهد الوثائقية للحرب العالمية الثانية الني كانت خطوة موفقة جدا في أخراج الفلم، فأضفت على الفلم واقعية رائعة بين مشاهد الإنسانية و المثالية التي كانت تُقَدِمْ الإسكندرية كمدينة كوزموبلوليتن ذات سكان متصالحين مع بعض، تباين رائع في الأحداث، برزت عدة صراعات ذاتية ليحي وضحت لنا حالة الإنفتاح التي كانت تشهدها المدينة، فلم يكن لدى أصدقائه المانع بدعوة إمرأة ليل للسيارة ليمارسوا معها الجنس بصورة جماعية، و لكن ليرفض يحي هذا اللأمر كليا، فكان الرقي الذي بداخله يرفض هذا الأمر بصورة مطلقة، ليكون موضع اهتمامه الوحيد في الفلم الدراما و السينما فقط و أنبهاره بأبطال الافلام السينمائية التي كانت تعرض بدور العرض وقت أحداث الفلم، و يُبَيِنْ لنا الفلم بآخر مشاهده كيف أن الحب لإمرأة وجد لقلبه طريق أخيرا، و لكن يتبين لنا من خلال الإختبارات الجنسية التي مر بها في الفلم مدى دماثة خلقه كإنسان، فالإسكندرية بالنسبة اليه هي مسقط رأسه و كانت تبرق بالتسامح و الإنسانية و حسن التعايش...لينقلب كيانها في اثناء الحرب العالمية الثانية و ليصيبها الدمار و ليتشتت شمل أهلها كليا بسبب ويلات الحروب...فلذلك قام يوشف شاهين بتسمية الفلم "اسكندريه ليه"...و كأنه يعاتب الزمن و السماء و الارض و الحجر بما اصاب مسقط رأسه من دمار...(يتبع)
المراجع المستخدمة في هذا الجزء من المقالة :
1) من موسوعة ويكيبيديا صفحات بإسم :
1.1) Narration
1.2) Autobiography (1)
1.3) (4)لإسكندرية
1.4) يوسف شاهين
2) (3)مقالة على الإنترنت من موقع في الفن نشرت بتاريخ 20 يوليو 2015 للأستاذ أحمد خالد بإسم "السينما المصرية بعيون نقاد العالم – "اسكندرية ليه"...الحياة في حرب"،
3) موقع Chicago reader، صفخة بإسم Alexandria Why
4) (2)مقالة منشورة على موقع عين على السينما للاستاذ محمود عبد الشكور بتاريخ 19 نوفمبر 2013 بإسم "عن رباعيات يوسف شاهين : الحساب مع الذات"



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات