تركيا المشهد والانعكاس


ليس مستحدثاً موقف الشارع العربي بالانجرار التام والكامل خلف إعلانات وتصريحات ومواقف قادة على المستوى الإقليمي أو الدولي من "كاسترو إلى شافير إلى اردوغان" وأكيد الكيان الفارسي الذي دافع عنه البعض ولا يزال للان.

غربة عن الواقع وفهماً معوج ، نقص في الثقة بالذات وبقدرة الأمة، وبحث دائم عن أبطال من ورق لتمجيدهم.

ثقافة ولي الأمر والرجل الكبير والمفكر الذي لا يخطئ والسياسي الشريف الصادق، القائد المهاب ذي الزوجة المحجبة أو المحافظ على نظافة ثيابه أو الناطق بالصراخ " تباً للاستعمار" ولا ننسى الباحثين عن الأضواء .

هم أصحاب برامج وطنية تخص بلادهم و بلادهم فقط، يبحثون عن التمكين السياسي الخارجي مستغلين الأحداث راكبين مهرة للموج.

ما أنجزه اردوغان أو غيره من القادة يخص بلادهم ولا يخصنا نحن العرب ، وجميع من صفقنا لهم وندافع عنهم ونتخاصم من أجلهم ، برامجهم الانتخابية أو خطاباتهم تبنى دولهم ولا تبني انتصاراتنا.

لا علاقة للمؤامرة الدولية بما حصل في تركيا، عسكر طموح شاهدوا الرئيس ضعيفاً وفي مأزق سياسي داخلي وتخبط خارجي فكانت الفكرة أن الإطاحة به ستحصل على تأيد من زعماء أتراك ومباركة دولية.

وفي هذا وجب التوقف وقراءة الأحداث الداخلية من معارضة شرسة تطالب بانتخابات مبكرة بعد انسحاب أقطاب الحكم ومهاجمتهم للرئيس المستأثر بكل شيء، وسبقه فوز دون المتوقع النصف زائد واحد دون الحصول على فوز باكتساح ، ولحق بهذا سياسة خارجية تجاوزت الحدود بالنسبة للاعبين الإقليمين ، ومن دائرة الوساطة والرعاية لمشروع التمكين الأمريكي في المنطقة إلى محاولة تبوء موقع متقدم في ظل صراع إقليمي برعاية دولية لإعادة إنتاج المنطقة سياسياً وكيانياً.

بهذا كله مع التشديد على ضرورة قراءة كل ما حدث بتأني يكون الرئيس في مأزق سياسي داخلي و شبة عزلة خارجياً، فرأى العسكر فريق منهم طبعاً أن الظرف يسمح بالانقلاب باسم السلام.

وما هو غير متوقع دعوة "الحزب القومي، وحزب الشعب الجمهوري" إلى التظاهر ورفض الانقلاب دفاعاً عن قيم الجمهورية، وجاءت دعوة الحزبين قبل دعوة "اردوغان" أنصاره للنزول للشارع.

وفي التفاصيل الأكثر دقة أن أنصار "اردوغان " تجمهروا حول مطار "أتاتورك" و الحزبين المعارضين في ساحات المدن الرئيسية وحول المؤسسات الحكومية.
وبغض النظر عن التوزيع العفوي لشرائح المحتجين إلا انه ذي دلاله ثقافية في رؤيا المجموع للهدف و الغاية.

رئيس الوزراء تحدث بإشادة عن أنصار وأعضاء الحزب القومي و وصفهم بالمقاتلين الأشداء والشرسين، فهم الذين تصدوا للدبابات وشكر كثيراً حزب الشعب الجمهوري المنافس الأساس لحزب التنمية.

وفي عموم المشهد وجب القول أن الشعب التركي انتصر لجمهوريته الديمقراطية وخرج دفاعاً عن قيم الجمهورية التي أسسها "كمال أتاتورك" وليس دفاعاً عن فرد أو حزب ، وإعلان الحزبين المعارضين الرئيسين رفضهما للانقلاب حسم الأمر منذ لحظاته الأولى، وبكل تأكيد لا يمكن التغاضي عن موقف الإعلامي التركي الحر الذي اثبت انه إعلام وطني انحاز للقيم الجمهورية، ولن ننسى أن المؤسسات الإعلامية الخاصة التي تصدت للانقلاب كانت تطلق على "اردوغان" لقب جزار الصحافة واعتبرت أن عام 2015 عام أسود على الإعلام في تركيا بعد سلسلة المضايقات التي قام بها ضد حرية الصحافة.

الانقلاب أنقذ اردوغان من مأزقه السياسي الداخلي وسمح له كونه رمز السلطة الشرعية أن يحرك قواعد اللعبة الداخلية لصالحه ، فاكتسب جمهوراً واسع يضاف لرصيده ، ويسعى مع أنصاره من الحرس القديم في حزب التنمية إلى تصفية خصمه في "الكيان الموازي" ، وتعيش تركيا بمثقفيها وسياسيها حالة ترقب كون اردوغان قد بالغ حسب كلام قادة معارضين بعمليات الاعتقال الواسعة والانتظار محفوف بالمخاطر، فالحسم سيكون قضائياً ، وكما تحرك الشعب بقادته السياسيين للحفاظ على قيم الجمهورية سيتحركون للدفاع عن قيم الجمهورية مرة أخرى بعد صدور القرارات القضائية التي يرى البعض اعتماداً على حملة الاعتقالات أنها تصفية حسابات.

عدد الانقلابين ومناصبهم ونفوذ "الكيان الموازي" بالمجموع الشعبي قادر أن يشكل حاله انقلابية شعبية وعسكرية بدعم السلطة القضائية، ودون أن ننسى أن "الكيان الموازي" في قاعدته الشعبية قد أسس منذ عقدين حاله شعبية مرتبطة به ضمن برنامج الأعمال الخيرية والمساعدات الإنسانية وتحت مظلة مؤسسات إعلامية تابعة له، وهذا دليل يضاف إلى جملة من الأدلة أن الانقلاب ليس مؤامرة دولية أو مؤامرة من أطراف عديدة ، هي نخبة من القادة العسكريين فهموا المشهد بطريقة معاكسة كونهم لم يأخذوا بالحسبان ما عانه الشعب التركي على مدى عقدين من الزمن نتيجة تخبط البلاد في موجة من الانقلاب والاقتتال الداخلي ، فالتصميم على الحفاظ على لغة الحوار وقيم الجمهورية واعتبار الديمقراطية سلوكاً عام هو انجاز شعبي وثقافة شعبية تركية.

فالمشهد القادم على تركيا سيكون أصعب.

نتفق على برنامج اردوغان في المنطقة ونختلف بالثوابت معه ، ونبرر الاختلاف على أن مصلحة تركيا الوطنية تختلف عن رؤيتنا وغايتنا نحن العرب، إلا أن تحول شريحة شعبية عربية إلى اعتبار ما حدث انجاز لفرد ولرؤيا وتبرير لمصافحة هنا واعتذار هناك، هو انفصام في العقلية بلا شك، ويزيد هذا الانفصام من تأخر النهضة التي وجب أن نسعى لتحقيقها بدل الارتهان المذل لبرامج أفراد في دول مجاورة.


الحقيقة الثابتة أننا أمة تحتاج إلى عصف ذهني والى قرارات حاسمة والى تحرك جاد، لا أتحدث عن النظام الرسمي إطلاقا، بل الحديث عن الأمة بقواها الشعبية و مؤسساتها الحزبية ومجاميع مثقفيها، علينا أن نتصالح مع ذاتنا والعودة إلى التراث لشحذ الهمم ، علينا أن نفهم أن مشروع النهضة لا يمكن أن يكون مشروعاً حقيقي إذا ما سادة الشخصية العربية بخصالها وفضائلها وفهمنا أن الغير هو حليف وشريك أحياناً إلا انه لا يمكن أن يكون قائداً و موجهاً للأمة.
في الأمة طاقات جبارة قادرة على أن تأخذ بناصية الحدث وتحفر بئراً وسط البحر إن تتطلب الأمر.

ومشروع الأمة لا يمكن أن ينهض أيضاً دون أن تكون المقاومة الحرة بسلوكها وفعلها قلباً له.

نحتاج بكل تأكيد إلى ثورة استقلال تنبع من داخلنا نحتاج إلى السلوك الحر والسيادي ، وقبل أن نطالب الأنظمة الرسمية بالحرية والسيادة علينا أن نكون أحراراً أسياداً.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات