فضيحة "تشيلكوت" التاريخية .. الاعتراف بعد "خراب مالطا" !


ايهاب سلامة - تقرير "تشيلكوت" البريطاني الذي أميط اللثام عنه أمس الأول عقب 7 سنوات من "التحقيقات" حول خوض انجلترا الحرب على العراق عام 2003 ، بمثابة فضيحة تاريخية للغرب كله، بعد أن أقر بصريح العبارة، أن مبررات الحرب على العراق كانت كاذبة، واعترف بأن حدوتة "أسلحة الدمار الشامل"، كانت عبارة عن "خداع شامل" تمت فبركتها بتقارير استخباراتية مضللة، برعاية واشراف رأس الحكومة البريطانية آنذاك توني بلير ..

وبعد سنوات من تدمير العراق، وإعادته للعصور الحجرية، وقتل وتهجير الملايين من أبنائه، ونهب وتصدير ثرواته، وإغراقه بمستنقع مذهبي طائفي دموي مرعب.. لم يعد يساوي الإعتراف البريطاني الآن جنيهاً استرلينياً واحداً، بعد أن انزلقت المنطقة كلها في ذات المستنقع، جراء تداعيات احتلال العراق وتقويض حكمه، بل ولا تساوي الـ ( 2.6 ) مليون كلمة التي احتوتها صفحات التقرير ، مقدار حبة خردل.. بعد خراب مالطا !

ومع أن التقرير الذي تم انتقاء كلماته بعناية فائقة، قد حمّل "على مضض" رئيس الوزراء البريطاني الاسبق توني بلير مسؤولية الحرب على العراق، إلا أن الديمقراطية الغربية الليبرالية "العادلة" لم توجه أي تهمة له، ولم تنبس بحرف حول احتمال محاكمته لاحقاً.. رغم جرائم الحرب الدموية التي ارتكبها وجيش بلاده وحكومتها، بحق العراق وشعبه.

المثير للسخرية، أن رئيس لجنة التحقيق البريطانية في حرب العراق، السير جون تشيلكوت اعتبر في مقابلة مع صحفية غارديان البريطانية، قبيل نشر التقرير الذي حمل اسمه، أن كل الجرائم الحربية التي ارتكبت في العراق ، "اخطاء في التقديرات " ولم ترتق الى حد "توبيخ" مرتكبيها !

وبالطبع فأن توني بلير الذي يستحق أن يحاكم كمجرم حرب، لم ولن يوبخ ، لا هو ولا أي مسؤول غربي آخر شارك في الجريمة، ولن يقدموا لأية محاكمة .. فالدم العربي رخيص جداً عندهم، بل هو أرخص عند أبنائه أيضاً، بكل ألم وقهر وحسرة..

المهزلة، أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق والاسوأ من بلير، "غوردن براون" هو الذي عيّن أعضاء لجنه تشارلوت، والتي ضمت أسماء مقربة من الكيان الصهيوني ممن كانوا مؤيدين للحرب على العراق أساساً، بمعنى، أن من يفترض به أن يكون في قفص الاتهام مع بلير وشلته، هو من عيّن القاضي والجلاد وافراد المحكمة !

بلير، الذي قال بالأمس أنه يتحمل المسؤولية الكاملة وحده عن قراراته، زعم أن العالم الان بات أكثر "أمناً" بعدم وجود الرئيس العراقي الشهيد صدام حسين، وكذلك صرح شريكه في الحرب الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش الابن، وغاب عن الاثنين فيما يبدو أن تبعات الحرب التي تسببا بها في المنطقة، قد طالت بلديهما، بل وأوصلت الى أحضانها حمم براكين التطرف والارهاب، حالهما حال "براقش" ..

أمريكا، ردت بدورها على التقرير بالقول: انها "ستتعلم من اخطائها " .. واذا كانت "الاخطاء" وفق المفهوم الامريكي تعني "تدمير دولة عربية" هكذا بكل بساطة.. وقتل وتهحير الملايين من ابنائها .. فبضعة أخطاء أمريكية أخرى على ذات المنوال، كفيلة في المستقبل القريب، بالخلاص من البشرية كلها.

ولان أنظمة عربية كانت شريكة في الجريمة، وذات سكين الغدر التي طعنت العراق ورئيسها الشهيد صدام حسين في ظهره تحمل بصماتها، فلن نسمع بشكل مؤكد تعقيباً رسمياً عربياً واحداً، تجاه ذبح مئات الالوف من أبناء الشعب العراقي الذي ارتكب بـ "طريق الخطأ".. بل سيلعنون "تشيلكوت" وتقريره، لنبشه خيانات الماضي القريب، التي لن تطهرهم منها كل مياه محيطات الدنيا والآخرة ..

أما كلاب العروبة التي كانت تنبح حينها مؤيدة توجهات أسيادها في الغرب المتحضر بالحرب على العراق، فما زالت بين ظهرانينا.. من كتاب واعلاميين وساسة، تعرفونهم كما تعرفون مقاسات أحذيتكم.. لن تطالهم كذلك ﻻ مساءلة ولا محاسبة، بل ربما سيكتب بعضهم اليوم ممتدحاً الديمقراطية الغربية "المتحضرة" التي "تحاسب نفسها بنفسها" ويلقي فيها قصائد مدح لا أنذل .

الاعتراف البريطاني بخطيئة جرائم الحرب ضد العراق وأهله، يجب أن لا يمر مرور الكرام أبداً، فكما تنادي المانيا وفرنسا بحق الارمن من "الدولة العثمانية"، وكما حلبت دولة الاحتلال الصهيوني الالمان والاوروبيين على محرقة مزعومة، فعلى العراقيين مقاضاة كل دولة شاركت في الجريمة، عرباً وغرباً، بل ومحاسبة المجرمين المتورطين، والمطالبة بالاعتذار والتعويض، وحق الرد ان استطاعت له ذات يوم سبيلا !

ثم الا يجب علينا في الاردن أيضاً ، المطالبة باعتذار وتعويض جراء التبعات القاسية التي تحملناها وتعرضت لها بلادنا بسبب جرائم الغرب في العراق، وانعكست على اقتصادنا بشكل لا يوصف ؟

عقب سنوات من الان، ربما يظهر تقرير تشيلكوتي آخر، يفضح التواطؤ الغربي على مصر.. وسوريا.. وليبيا.. واليمن وغيرها، ويكشف عمن أوجد التنظيمات المتطرفة التي لا يعادل تطرفها شيئا قياساً بتطرف دول غربية وارهابها المقنع باغطية الشرعية الدولية الكاذبة..

وربما على غرار "تشيلكوت" قد نشهد يوما ما تقريراً عربياً، يفضح المؤامرات والدسائس والخيانات العربية عن بكرة أبيها، بدءاً من ضياع فلسطين .. حتى دمار سوريا !؟

ايهاب سلامة، كاتب وصحافي، رئيس تحرير مجموعة جراسا الاعلامية



تعليقات القراء

compensaation
fine, we accept it was mis-calcuation, this should go to the international court and they have to compensate iraq with billions to rebuild it
08-07-2016 06:12 AM
معاذ الامير
اقسم بالله انك دوما تشفي غليلي بكل مقالاتك بارك الله بقلمك الحر الشريف الذي نحن في امس الحاجة الى امثاله في زمن الفسق والفساد والخيانات
08-07-2016 08:17 AM
voice of the east
Britain always been the source of troubles around the world while America cowboy cause of destruction in mass with pride to many spots in the east, the day will come to retaliate insha,Allah
08-07-2016 10:01 AM
Bqaq
مزبلة تاريخية
تم سوق الخراف العربية الى حضيرة وسخة حيث قراءتنا لقصة اكلت يوم اكل الثور الأبيض لم تتعدا جهلنا بأننا نقرأ ولا نعي شيء
لسنا بحاجة لتقارير او اعترافات الغرب عن مؤامرتهم ضدنا وضد اي دولة عربية
مهزلة
امنا ننتظر مبرر لهم بتدميرهم العراق
حسافة
لقد اكتشفنا ان تقاريرهم كانت ملفقة
اي اننا لم نكن قطيع اغنام تجر على وجوهها نذبح كما تذبح الشاة
عذرا يا احفادنا عما سوف تتداوله كتب التاريخ عنا
08-07-2016 10:01 AM
اب ثائر
الدوله المارقه بريطانيا دوله استعماريه قديمه حديثه لنا نحن العرب عليها ديون كثيره وسيأتي اليوم الذي ستدفع به عن كل جرائمها في فلسطين وتسليمها للصهاينه وفي العراق وقتلها للملايين من ابناءه وما ينطبق على بريطانيا ينطبق على امريكا ام القتل والارهاب وما فعلته في فيتنام وافغانستان والعراق وفلسطين وليبيا ومباركتها للانقلابات ودعمها للحكام الظلمه في المنطقه
09-07-2016 01:51 AM
شاهد على العصر
دعونا نتروى .... ولا ننجرف وراء هذا التقرير .... بريطانيا هي ثعلب سياسي عالمي لا يتصرف ولا يتكلم بدون غرض خبيث .. يكون أخبث مما يصرح به ... ان تداعيات مثل هذا التقرير لوحدها كارثه اقتصاديه على بريطانيا وامريكا بالدرجه الاولى ... لا يمكن ان يضعوا انفسهم تحت هذه المسائله في هذه الظروف الاقتصاديه الصعبه ................. دعونا نتروى ونرى المكيده القادمه ..؟؟!!!
09-07-2016 12:44 PM
كركيه وافتخر
حسافه ع الشهيد صدام حسين بس الله يرحمه وﻻ الباقي كله كﻻم ع ورق ﻻ اكثر ياريت الزمن يرجع ويرجع صدام فخامة اﻻسم تكفي
09-07-2016 07:51 PM
refat
ايهاب سلامة، كاتب وصحافي، رئيس تحرير مجموعة جراسا الاعلامية
كل الاحترام عاش القلم الحر
10-07-2016 04:42 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات