خواطر دستورية


حينما نسعى لتأسيس دولة ذات سيادة منطقية على تراب اي قطعة جغرافية فيجب علينا أن نعي أنها تتأسس بناءا على رغبة مجموعة من الأشخاص (نسمة) الذين يتعايشون على القطعة الجغرافية المراد اقامة الدولة عليها، و بحسب المفاهيم السياسية و العلمية و الإدارية التي بين يدينا فإن الدول المراد تأسيسها يجب أن تتمتع بفكر ديمقراطي متحضر لنضمن أن مصلحة هاؤلاء القوم مصانة و محققة، لذلك غالبا ما ستتكون هذه الدولة من مؤسسات تسعى لفرض هيبتها السياسية و الأمنية على تراب المنطقة الجغرافية المراد اقامة الدولة عليها، و البعد الأمني سيكون من شأن الجيش الذي سيتألف من مؤسسات عسكرية لحماية الحدود و مؤسسات أمنية لصيانة الأمن و النظام في داخل الدولة، أما الدولة نفسها فمن المفترض أن يكون بين يديها مؤسسات وزارية تسعى لإنشاء و تعزير البنية التحتية التي ستساعد الدولة و المجتمع بالإستقرار، فلذلك سنجد وزارات متعددة الأهداف و البنية لكي تُؤَمِنْ للمجتمع و للدولة كينونتها و ادوات لِتُنَفِذْ بواسطتها سياساتها الداخلية و الخارجية، فلذلك اللفيف الوزاري قد يكون متعدد الفئات و العدد ليتوزع العبئ و العمل على الكم و الكفاءة المطلوبة و اللفيف سيكون من مسؤلية رئيس أو رئيسة الوزراء...و هنا يصبح لدينا هيكلية ادارية للدولة لكي تصبح كيان ذات حيوية و نشاط و كفاءة عالية...

ينبغي على هذه الدولة أن يكون لديها دستور يشرح عن هويتها السياسية و ينظمها اداريا...ثم ليعطي لرئيس او رئيسة الدولة و لمؤسسات الدولة السياسية و المدنية و الإدارية و العسكرية بشتى انواعها شرعية وجودها و صلاحياتها، فهذا ضروري لكي يكون للدولة اساس شرعي لكي تمارس عملها و لكي تصبح مؤسساتها فاعلة بصورة ناجحة ، و يجب على هذا الدستور ان يعطي الحقوق بصورة عادلة لكافة طبقات الشعب انطلاقا من روح المواطنة كأساس فقط...و يجب عليه أن يعطي المتنفس المطلوب للشعب بأن يكون لديه السبل اللازمة لقيام مؤسسات تُمَثِلْ مصلحته أمام الدولة و رئيسها، و يجب عليه أن يوفر سبيل لكي يكون هنالك نظام تشريعي و قوانين تنصف مصلحة الدولة و تنظم عملها و تنصف الشعب على حد سواء...و يجب أن يكون الدستور بكافة بنوده و اجزاءه و اقسامه مرجع شرعي يوفر للقوانين التي ستحكم أنظمة الدولة و الشعب اساس متين لكي تتأسس بموجبها الدولة و كافة مؤسساتها، و يجب على الدستور أن يوفر للدولة التشريعات الأساسية التي ستقوم عليها مؤسساتها بالكامل و المؤسسات المدنية و الإجتماعية و العسكرية و السياسية و الثقافية فهو البستان الذي سينبثق منه المؤسسات كافة و دورتها القانونية و الحياتية و صلاحياتها...لذلك يجب أن يكون مساغ عن طريق فقهاء اكفاء و خالي من الأخطاء تماما...

و من ثم بعد أن أصبح لدينا 1) شعب ثم 2) رئيس و 3) لفيف وزاري و رئيس للوزراء و جيش و أمن و 4) دستور يساغ عن طرق فقهاء القانون ...أصبح لدينا دولة ديمقراطية ستكون فاعلة بصورة مقنعة لنبني عليها مجتمع سوي و طبيعي، فهذه الدولة هي دولة ديمقراطية بصورة اساسية و دولة قانون و دستور...فلذلك أشرت في بدء حديثي بأن الشعب هو الاساس لقيام اي دولة و بالذات الدولة الديمقراطية، فالمجتمع هو المصدر الوحيد للقوى البشرية التي ستعمل في المؤسسات السياسية و الإجتماعية و المدنية و في الشركات و الإستثمارات التجارية في الدولة...و لكن هنالك مشلكة كبرى ستواجهنا حينما تهدأ الزوابع التي تعصف بالدولة العراقية و السورية و الليبية و غيرها من التي تشهد مشاكل أمنية، فأساس اي دولة ستقوم في هذه البلدان هو اتفاق المجتمع بها أو حتى الإغلبية الساحقة على هوية ثقافية تنطلق منها الهوية السياسية للدولة...و هنا تكمن المشكلة، فالدولة العراقية موجودة فقط كحدود جغرافية من دون ارادة ابناء الجنسية الواحدة على العيش المشترك تحت ظل دولة ديمقراطية تعطيهم نفس الحقوق الدستورية كمواطنين...فهنالك مشاكل مستعرة بين السنة و الشيعة و المتشددين تهدد قيام اي دولة ديمقراطية منتظرة على التراب العراقي، و المشكلة السورية لا يستهان بها ايضا، فنحن أمام حرب اهلية طاحنة انهكت قوى الدولة السورية بسرعة مما افقدها القدرة على فرض الهيبة العسكرية و الأمنية في تلك البلاد، و أصبح هنالك فراغ قوة سياسي اضمحل معه الأمل بإعادة بناء الدولة الديمقراطية من جديد على التراب السوري، فالمجتمع انقسم على ذاته بين مؤيد للرئيس بشار الاسد و معارض ذو ميول متشددة دينية مما يهدد بإعادة ترسيم الحدود في سوريا و تشكيل دويلات جديدة في تلك البلاد، و المشكلة بأنه مع وجود توجه لبناء دويلات تتمتع بأساس يعتمد على الفكر المذهبي الديني بدل من الدولة الديمقراطية التي تعطي شرعية لتجانس أكثر من تيار فكري ديني و سياسي داخل حدود الدولة بصورة قانونية ستنتهي الدولة الديمقراطية من الوجود في المنطقة العربية ليصبح لدينا دويلات مصغرة منقسمة من التي كانت قبلها تعتمد على فكر واحد و لا تقبل التنوع الفكري السياسي و الثقافي و الفلسفي إطلاقا...ليؤثر بذلك على الحركة الثقافية بصورة عامة في المنطقة العربية و ليصبح المجتمع مُسَيًسْ من قِبَلْ المذاهب الفكرية...و سينعكس هذا بصورة سلبية على الحرية عموما و حريات التعبير و الرأي الحُرْ و سيتقوقع الفكر الثقافي في المجتمع الى المقبول منه مذهبيا فقط و ليس حتى دينيا...و هذا سيخلق ثقافة ضيقة الأفق في منطقة الشرق الاوسط، و ستنتهي الفنون و الحركات الدرامية و الفنية بشتى أنواعها....و سيصبح فكرنا في المجتمع مريض جدا جدا و يعتمد على ما هو مقبول دينيا أو مذهبيا فقط...و هذا مفهوم للدولة عبرت عنه أمريكا و اوروبا منذ ثلاثمائة عام...حينما انتهى مفهوم الدولة الدينية في الغرب ليعلو شأن الدولة الديمقراطية أكثر، و لتصبح الدولة قادرة على احترام تنوع الفكر الإنساني و التنوع الحضاري للبشر أكثر، فالدولة الدينية او المذهبية لا تستطيع استيعاب الفكر الذي لا يشاطرها اراء ابنائها و الفكر السائد في المجتمع لتصبح منغلقة عن العالم كثيرا، أما الدولة الديمقراطية فهي قادرة على تقديم تنوع فكري أكبر في ثقافتها عموما، و هي قادرة على التأقلم مع حضارات الشعوب المحيطة بها فعنصرية الدولة الدينية غير موجوده بها،

لا أعلم لماذا حُرِمْنَا في منطقة الشرق الأوسط عموما من ما تتمتع بها الدولة الغربية من انفتاح فكري و ديمقراطية، فمع كل أسف نحن ندفع ضريبة كبيرة لإنغلاقنا الفكري عن الغرب، فالغرب يستطيع أن يقدم لنا تجربة ديمقراطية دسمة بسبب نضوج الفكر الديمقراطي في بلاده، فالعالم كله يتوجه للإنفتاح على بعضه البعض بعكس ما نحن به حاليا...التقوقع نحو دول مذهبية لا رجاء منها،



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات