تحصين الشباب ضرورة


من الملاحظ أن يد الإرهاب المسمومة والمسعورة أصبحت تطال العديد من الدول العربية وغيرها. والإرهاب بالمطلق لا يميز بين الصالح والطالح. ما يهمنا هنا الإرهاب الداعشي وعقيدته القائمة على تكفير ووجوب قتل كل من لا ينتمي له أو لا يؤمن بفكره. فها هي يدهم حاولت أن تطال أقدس مقدسات الأرض، لكن وبفضل من الله لم يفلح مسعاهم.

نرى أن الفكر الداعشي يتمدد ويتوسع حتى يكاد يكون فكرا منتشرا كما القاعدة في الماضي. فهو لا يتوقف ولا يقتصر على مجتمع بذاته وهنا مصدر القلق. فالإرهاب صار هاجس يقلق المجتمعات حتى الآمن منها. لكن قلقنا نحن في الدول العربية والإسلامية أكبر من غيرنا كون داعش من جلدتنا وولد بيننا وها هو يتمدد ويشتد شراسة رغم الحرب من كافة الدول عليه.

ألم يكن بإمكان القوى العظمى وقائدها أمريكا القضاء على هذا التنظيم عندما كان أقل قوة وبطور التشكيل ومحدودية نفوذه ومعرفة أماكن تواجده وقلة منتسبيه ومحدودية قدراته التسليحية والبشرية؟؟ سؤال نتركه للتدبر والتأمل. وهل الحرب القائمة ضده أكذوبة وتغطية وتضليل ليبقى هذا التنظيم مصدر قلق وتوتر لدولنا وشعوبنا حتى يتم تمرير ما يمكن تمريره من مخططات الصهاينة وحاضنتها أمريكا وأعوانها؟؟

رغم أن الدول حريصة كل الحرص على تأمين حدودها وتراقب كل شاردة وواردة للتأكد من ضمان عدم دخول من يمكن أن يشكل خطرا، نرى أن داعش ينفذ عملياته هنا وهناك ويتبين أن المصدر من الداخل بقصد أو بغير قصد جراء تقصير أو مباغتة. المهم في الأمر أن هناك من له مصلحة بخلق القلق والإزعاج. وعلينا الإعتراف أن لدينا من هم يرغبون بإدامة التوتر والتوجس لكي تبتعد عنهم الأنظار ولا تظهر عيوبهم أمامنا.

شباب يلقون بأنفسهم بهذا التنظيم البشع والدموي وترخص حياتهم لقتل الآخرين الآمنين. لقد بات من الضروري والعاجل البحث عن جذور هذه الظاهرة التي تدفع بالشباب للإنضمام لمثل هذا التنظيم المعادي لمجتمعهم ووطنهم وأهلهم دون اكتراث للنتائج الوخيمة. لقد وصل الأمر بأحد المنتمين لداعش في السعودية لقتل والديه لعدم تأييدهما لفكره وتوجهه المنحرف.
غالبا ما يقف الإقتصاد خلف الكثير من الجرائم ومن المعلوم أن الإقتصاد هو الأداة التي تحدد وترسم وتبلور نمطية السلوك الإجتماعي للأفراد. ونقصد بالإقتصاد مفهومه البسيط أي المقومات المتوفرة من قبل القائمين عليه لهؤلاء الأفراد والتي تلعب الدور الرئيس بتشكيل سلوكياتهم وطريقة تفكيرهم وتحديد أهدافهم.

فالمقومات منها الداعم والمحرك نحو التوجه الصحي والسليم والمنتج ومنها ما هو صانع للإحباط ما يدفع بالأفراد لينحرفوا عن جادة الصواب ظنا منهم أن يتحسن حالهم وتتغير ظروفهم ووسائل عيشهم لتحقيق حياة أفضل مما لديهم الآن. ومرحلة الإنحراف هي نوع من السلوك الذي هو بحد ذاته ردة فعل حتمية لا بديل عنها تجاه من يديرون دفة الإقتصاد الذين أوصلوهم لما هم به من حال لا يلبي طموحاتهم واحتياجاتهم. فبالعقل الباطن لهؤلاء قناعة راسخة يصعب تغييرها إلا بتحسن الأحوال والظروف الخانقة. وقناعتهم أنهم ضحية ووقود للقرارات الإقتصادية والسياسية الخاطئة، إذ من الصعب جدا فصل السياسة عن الإقتصاد وسياسة الدولة داخليا وخارجيا هي سلوك تمليه الظروف الإقتصادية.

وهؤلاء المنحرفون وبعبارة أخرى لديهم القناعة والإقتناع بوجود خلل فادح بالإدارة وأدواتها أوصلتهم لما هم به من حال متردي لا يقوون معه على توفير متطلبات العيش الكريم الذي يطمحون له. ومتطلبات العيش والتمتع بحياة طبيعية حرمتهم منها وسلبتها الجهات المسؤولة من خلال السياسات الضاغطة والتهميش والإقصاء وعدم التوجه الجاد لخلق فرص وغياب العدالة وانحسار التنفذ والهيمنة على وسائل اتخاذ القرار بيد لوبيات لا ترى في مواقعها الرسمية حقا للمواطن ليعطى، بل وسيلة للتكسب والإنتفاع وليكن ما يكن.

عند ذلك يتولد الغبن والإحتقان مع استمرارية الضغط وفقدان الأمل بالتحسن. اليأس والقنوط يصبحان المسيطران على الفكر والسلوك حتى يصبح الظاهر عدم الإكتراث ورفض القيم والثوابت التي عادة ما تهذب السلوك وتقف حائلا لوقوع الخطأ. كيف الإنعتاق من هذا المأزق؟؟ لا بد من البحث عن مأوى ومناخ لتفريغ الإحتقان الذي ارتقى أو انحدر لمستوى اليأس. واليأس بدوره يقود للإنتقام والثأر بشتى الوسائل المتاحة حيث النتائج تأتي كيفما تشاء.

لا بد من توفر الوسيلة والسلاح والمناخ والحضن الدافئ لتنفيذ الإنتقام. وهنا يجدوا ضالتهم بالجهة المعادية التي توفر لهم كافة أدوات التنفيذ. والإنسان اليائس لا يقبل إلا بما يمليه عليه شعوره وقناعته. وعلى مبدأ عدو عدوي صديقي يلتقي هؤلاء مع المتصيدين لليائسين ويحصل الإندماج والإنخراط بجهة ترحب بهم وتحتضنهم. هذه هي الصورة التي تمثل الشباب المنخرطين بداعش أو الذين على طريق الإنخراط والتأييد وينتظرون الوقت المناسب.

من خلال هذا السرد يتبين أن الهم الأساسي والحال كذلك للدول والحكومات يجب أن ينصب على الشباب ومعالجة مشاكلهم وتوفير سبل العيش الكريم لهم ولأسرهم وذلك من خلال البرامج التوعوية والإرشادية والتوجيهية والمشاريع المنتجة وتشجيع الإستثمار بهدف إيجاد فرص العمل المناسبة التي هي واجب أساسي لوجود الحكومات.

وقبل ذلك كله، من الضروري ترميم التعليم المدرسي والجامعي من خلال مناهج تعليمية تنمي وتطور وتوسع مدى الإدراك والخلق لدى الطالب. نحن بحاجة ماسة لبرامج توعية وتوجيه تتوافق مع الرؤيا الحقة للمناهج التي يفترض أن تعد إعدادا سليما يتماشى مع احتياجاتنا وقيمنا ومثلنا الدينية مع عدم إغفال الجوانب الإيجابية التي استفاد منها الآخرون. ومن الضروري الإبتعاد عن المجاملات لإرضاء الآخرين بحجة الحداثة ومواكبة العصر.

هل ألآخرون يجاملونا بمناهجهم لنرضى؟؟ فلا ضير إذن للتعامل بالمثل.

هناك خلل واضح بالتربية الشبابية منذ الصغر يقع على كاهل الحكومات. الإهتمام بالمظهر دون الجوهر خطيئة ترتكبها الحكومات لأن همها إرضاء المسؤول الأعلى. والحساب يحسب للمسؤول والبحث دائم عن وسائل إرضائه فيهيؤون له ما يسر ناظره وهو بدوره لا يبحث عن الجوهر بل همه المظهر الخارجي ليلمع اسمه ويعاد تعيينه.

هناك اهتمام بالناحية الأمنية خلقتها ظروف داخلية وخارجية وهو اهتمام مبرر لحد كبير، فالأمن ضرورة ومناخ أساسي للعمل والإنتاج والإبداع. لكن نتمنى أن يطال الإهتمام النواحي الأخرى كقطاع الشباب والتفكير جديا وبصدق وبهمة عالية للعمل على الإرتقاء بهذا القطاع الذي يشكل السواد الأعظم من المجتمع الأردني. إذا أهمل هذا السواد يعني أهمل الأردن. وهذا السواد هو من يخرج منه ويتجرد وينحرف ليصبح سلاحا يقتلنا. وهذا للأسف ما نواجهه.

الشيء بالشيء يذكر والأشياء تعرف بأضدادها. الدول التي تحرص جديا على تهيئة شبابها وتوفر لهم فرص العمل ويلمسوا منها تطبيق العدل وتحقيق المساواة، يندر أن تواجه ما نواجهه من إرهاب وتوتر وقلق. كيف لا وتداول السلطة لديهم قائم على القدرة على التنافس ومن يتسلم دفة إدارة الشأن العام من اختيارهم وبرضاهم؟؟

لا شك أن هناك حلقة مفقودة على المعنيين البحث عنها وإيجادها للخروج من مأزق توجه الشباب نحو الإنحراف متعدد الأنماط سواء الإرهاب أو المخدرات التي تفشت بعد اللجوء السوري أو الخروج عن المألوف الأردني. العلاج يجب أن يكون جذريا وليس سطحيا ومظهريا لكي يدوم ويأتي أكله.

تحصين الشباب بالحالة الأردنية يعني تحصين المجتمع بكامله لأن مجتمعنا مجتمع شبابي وفي الشباب الخير كله إذا أعددناه إعدادا سليما حتى لا ينقلب على نفسه ومجتمعه. من الضروري مراجعة مناهجنا وتحسينها وتطويرها لتتوافق مع تطلعاتنا وتعمل عل تحقيق طموحاتنا نحو صقل أجيال سيتولوا المسؤولية ويسهموا برفعة الأردن وأهله. ونأمل أن تكون هناك جهات رقابية تخاف الله بالوطن والمواطنين ترصد الأداء وتعمل على التصحيح والمحاسبة دافعها الغيرة بعيدا عن البهرجة الخادعة والمظهرية المتخلفة.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات