"هزاع" له وردة حمراء في ذمتي.


اذكر وارجوا أن لا تخونني الذاكرة, اذكر انه في عام 1975م كنت في الصف الثالث الإعدادي(ألمترك), وذات يوم كنت واحد من طلاب الرحلة المدرسية التي نظمتها مدرسة سحاب الإعدادية وقتها, وبالتحديد يوم الثلاثاء الساعة الثامنة صباحا حين توقف باص الرحلة على مثلث جسر النشا / المحطة, ذلك التقاطع الذي يربط عمان الشرقية بوسط البلد ومنها إلى مناطق عديدة من العاصمة عمان, هذا الجسر عشق بحق اعرق مراقب سير في الأردن المرحوم هزاع الذنيبات.

حين توقف الباص كنت اجلس من جهة النافذة بالمقعد رقم(3), لقد رأيت العجب العجاب في صباح ذلك اليوم, رأيت هزاع الذنيبات ينظم السير والمرور على أربعة مسارب, كان ينظم السير المرور بحركات فنية متتابعة من خلال يديه التي كانت ترفرف كأجنحة الطائر الذي يتوق للتحليق, وكان يبعث الأمل والارتياح في نفوس كل السائقين والمارة, وكان يعرف مقاصد السائقين والمارة, ..كان يلف ويستدير بسرعة فائقة, كان يؤدي التحية إذا ما رأى في المركبة ضابط, تلك التحية كانت تتزامن مع إعطاءه إشارة لتحريك مسرب من المسارب الأربعة, كان المشهد أمامي فيه شيء من الإبداع والجمال وامتلاك المهارة والحرفية وفيه كل معاني الاحترام والتقدير والإخلاص في العمل, نعم كان «هزاع» رحمه الله أنموذج حقيقي للعطاء.

كان «هزاع» رحمه الله يزهو بلباسه العسكري الجميل وشعار الأمن العام الرائع, وكان يحب شمس تموز, ولا تخيفه برودة المربعانية, وكان يستقبل دفء أيار بقميص سماوي ازرق, ويودع خجل أيلول بارتداء سترة الشتاء, ..لقد عرف هذا الرجل الأولويات وعمل بها, وعرف قوانين السير وطبقها بأمانة على ارض الواقع, لم يجامل احد في مبدأ السير, وظّف كل أطرفه لتخرج حركات متناغمة وكأنها الموسيقى العذبة, كان يتقدم للأمام بسرعة ويعطي إشارة مرور, ثم يعود للخلف ليعطي إشارة مرور, ثم يستدير حول نفسه ثلاثة مرات ويعطي أيضا إشارة مرور, ولا أبالغ إن قلت كان يجلس نصف جلسه بقدميه على الأرض ورأسه وصدره للأعلى ليعطي إشارة مرور تخرج منه أجمل من سابقاتها.

عجبا لك أيها «الهزاع», لقد رقصت رحمك الله رقصة الرجال على مثلث جسر النشا من اجل الوطن, واستدرت من اجل الوطن, نعم لقد تحملت شمس تموز وبرودة المربعانية من اجل الوطن, وتحملت دفء أيار وخجل أيلول من اجل الوطن, لقد بعثت فينا السرور والفرح ونحن صغارا على نوافذ السيارات والباصات (من الداخل), ..اعترف لكم جميعا انه له دين علّي, اعترف انه له وردة حمراء في ذمتي من وقتها, في الرحلة كنت احمل وردة حمراء قطفتها من حديقة المدرسة قبل إقلاع الرحلة, وحاولت إلقاءها له عندما أوقف باص رحلتنا تقدرا له على حركاته الجميلة, لكن منعني وقتها معلمنا الذي كان يرافقنا في الرحلة, قائلا اخشي أن تصبح هذه الساحة ساحة ورود, وتتعثر الحركة,... بقي أن أقول لك يا «هزاع» هل تقبل مني(الوردة) ألان, فالوردة لم تذبل ولم تيأس ولم يتغير لونها حتى ألان, وإذا ما أخذتها سأكون لك من الشاكرين لتبرأ ذمتي.



تعليقات القراء

فريال عويد
رحم الله ابن الوطن هزاع... ومتميز في مقالاتك دكتور رشيد
03-07-2016 01:26 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات