خدعوك فقالوا : ديمقراطية


ايهاب سلامة - رغم اتاحة القوانين العالمية لأي إنسان الحق بالترشح للانتخابات البرلمانية وفي دول مختلفة الرئاسية، إلا ان "النظرية" على أرض الواقع، تختلف تماماً عند التطبيق، وتخالفه بالمطلق.. وتتضاءل شعارات الديمقراطية البراقة شيئا فشيئا، حتى تخبو، بعيون من رأوا بانفسهم ذات طموح، كفاءة وباءة، وامكانات فكرية وابداعية خلاقة للترشح والمشاركة، ليصطدموا لاحقا بواقع شروطه قاسية، تفرضه قوانين لعبة لن يحلم الفقراء يوماً بتحقيقها والوصول الى ضفافها.

ولو سلمنا بتوفر الشروط الشخصية لمرشح برلماني عندنا مثلا، من علم ومعرفة وثقافة وخبرات واسعة، وقدرات خلاقة فذة وخلافه، دون أن يتوفر لديه المال الكافي لتمويل حملته الانتخابية، فربما لن يستطيع إيصال صوته وفكره لأحد، وغالبا لن يراه أو يسمع به غير محيطه المقرب، ولن تشفع له إمكاناته وخبراته وقدراته عند صاحبة الجلالة الديمقراطية ..

الكلف المالية الضخمة اللازمة لخوض الانتخابات النيابية، تجهض حلم أي فقير لمجرد التفكير بالأمر ، وتبقي "حميدان" ذاته حاضراً مسيطراً وحده في "ميدان" اللعبة السياسية..

تلك "العورة الديمقراطية" تعيد لزاما انتاج برلمانات مستنسخة، يحكمها اصحاب رؤوس أموال ورجالات "البزنس"، والمقاولون إياهم.. يشكلون لاحقا "لوبيات" فيما بينهم، وفق مصالحهم المشتركة، فتفرّغ البرلمانات من وظيفتها الأساسية، وتتزاوج السلطات فيما بينها بعقود براغماتية صرفة.

وبحسبة بسيطة، فأن كلفة خوض الانتخابات لأي حملة انتخابية، بدءاً من إنشاء المقرات، للصيوانات، لعشرات الاف المطبوعات،والاعلانات، والاف اليافطات المكلفة، لخدمات الضيافة، وأجور العاملين في الحملة، وفواتير المركبات والحافلات يوم الاقتراع، وعشرات الامور المكلفة الأخرى التي لا يمكن حصرها.. تحتاج ميزانية بعشرات الالوف أقلها، وصولا لمئات، فيما تكلف حملات البعض ملايين الدنانير ..

على هذا الأساس المسلّم به، فان من يتصدّون ويتصدّرون المشهد الانتخابي والبرلماني عادة ودوماً، أصحاب الملاءات المالية ذاتهم، القادرون على فتح دفاتر شيكاتهم وتوقيعها بيسر وسهولة، وتغدو شعارات الديمقراطية فضفاضة وخادعة بل وقاسية جداً، على الفقراء المؤهلين الطامحين العاجزين في ذات الوقت، عن مسايرة شروط اللعبة السياسية ومتطلباتها التي تحول جيوبهم دون وصالها ..

خدعوك فقالوا "ديمقراطية".. بمشاركة لن تقدر عليها الا اذا كنت ثريا مقتدراً وجيوبك متخمة..

خدعوك حين أوهموك أن أبوابها مفتوحة للجميع، وصدرها متسع للجميع... "جميع" القادرين المتمكنين مالياً ولا أحد سواهم..

خدعوك فقالوا "انتخابات".. انتخابات لن تفرز القادمين من رحم العوز والفقر والحاجة والبطالة وغلاء الاسعار، انتخابات لن يقدر على خوض غمارها سوى من هم ليسوا بحاجة أصلا لمقاعدها ونمرها الحمراء.. وما الفجوة الهائلة بين المجالس النيابية والمواطنين، سوى نتاج ثقافات مختلفة، وتفاوت طبقي مجتمعي،بين هذا وذاك، أنتج أصحاب قرار لم يعايشوا يوماً واقع ناخبيهم، ولم يسمعوا ويروا من خلف زجاج مركباتهم المترفة، شيئاً عمن يمثلونهم إلا على "ناشيونال جيوغرافك" ..

كيف للرأسماليين، تمثيل البروليتاريين الكادحين ؟، وكيف لمن يأكلون السوشي والكافيار، معرفة طعم الفلافل و"المجدرة"، التي ربما يظنها أحدهم شتيمة !.

ديمقراطيات البزنس، خديعة كبرى، تعيد إنتاج مجتمع السادة والعبيد، بصورة عصرية حضارية منمقة جاذبة.. تنطلي على الفقراء بأنهم اصحاب قرار .. وانهم يشاركون في صناعته، فيبلعون الطعم بكل نهم وسذاجة، وهم لا يعلمون بأنهم يعيدون تنصيب "السادة" عليهم !؟.



تعليقات القراء

شاهد على العصر
وصفت وابدعت وصدقت .
ما الحل ؟
20-06-2016 02:22 AM
ابو ثائر
خديعه ... خديعه .....خديعه اسمها انتخابات وديمقراطيات هشه لا توصل الى قبة البرلمانات الا حيتان المال والفساد . لذا حطوا روسكوا وناموا على الاقل كي لا تتحملوا ذنوب من توصلوهم ليتكلموا بمنافعهم الشخيه فقط وفقط لاغير الوطن اخر ما يفكروا فيه .
20-06-2016 02:54 AM
الميدااان
ناهيك ان الديموقراطيه تجلب الاغنى وربما الاوفر حظا من خلال الاكثر جمعا (حزب او عشيره) ولا تفرز بالضروره الاكفأ.. مما يعني ان الامه ستعاني ممن هم ليسوا كفاءه ، لكن يملكون ما يؤهلهم للترشح والفوز بالمعقد، هذا المقعد الذي يفترض ان يجلس عليه ممن هم كفأة واخلاق ووطنيه حقه .
الديموقراطيه تعني حكم الشعب..وقد يصل للمجلس من ليس اهلا له..فقط لانه يملك مفاتيح الديموقراطيه... وعليك ان تقبل بهذا الواقع حتى لو كان على حساب البلاد والعباد..
20-06-2016 03:56 AM
سامي جوابرة
أحد النواب فا في مخيم البقعة بتبرعات بسيطة من الجيران والأصدقاء. كذلك، الترشح من خلال الأحزاب يحلّ هذه المشكلة.
رد بواسطة توفيق
بنحاول نصدق.. قال جيران قال
20-06-2016 09:00 AM
حقا انها ديموقرطيه للاغنياء فقط ولامانه عمان
أقول ما قلت عين الصواب وحتى تزداد فقرا مخالفات السير بداعي ومن دون داعي ومع اطيب تحياتي
20-06-2016 09:58 AM
السنيري
كلام قديم متجدد من كاتب متألق ، بإختصار شديد ، من فينا لا يعلم أن أصحاب النفوذ هم من أصحاب المال ، هم فقط لا يشترون أصوات الناخبين و الأفراد ... هم يشترون الأعراض و يبيعون لنا الشرف و الفضيلة و الأخلاق ،
و كما يقال باللغة الإنجليزية ( money talks ) & ( position talks ) .
20-06-2016 10:14 AM
متابع من الميدان
ليكن ب المعلوم بعض المرشحين تراهم يتفاخرون بحملتهم الانتخابية وكثير منهم تجد الدين وعمليات النصب على محلات الاعلانات حتى ان منهم لغاية الان لم يسدد الاجور السابقة والان يريد ان ينزل ولم يدفع اي قرش لمن تحمل له الفتات وغيرها حتى ان احدهم اعترف حيث قال كيف تريدمي ان اسدد مصاريف حملتي الامتخابية الامن خلال البزمس وغيره ومن من يقترض من البنوك اعرف احدهم اعترف بذلك كيف تريد نواب بهذا المقاس ان يخدم الوطن والمواطن
20-06-2016 11:49 AM
مشارك في العرس الوطني
احد النواب من سحاب لا يعرف ان يكتب اسمه ترشح واكن بدفع لكل ناخب 50 دينار ولكن للاسف عندما تذعب لصرفها تجدها مزورة ما ذا تستجدي من امثال هذا الا اناس فاسدين لا يهمهم سوى الوجاهة لا نفسهم
20-06-2016 11:53 AM
د فراس العبادي
كلام في الصميم اخي الاستاذ ايهاب سلامه
20-06-2016 12:16 PM
اميرة الخطيرة
سلم قلمك .. المال هو الحكم بالاول والاخير
21-06-2016 02:12 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات