مشاركة "الاخوان" في الانتخابات .. مكسب أم خسارة ؟


 ايهاب سلامة - لم يكن أمام سفينة الإخوان المسلمين التي تصارع أمواجاً عاتية تتقاذفها وسط بحور لُجة، سوى خيارين اثنين كلاهما أمرُّ من الآخر بالنسبة لها ، فإما أن تبحر عكس العاصفة، في وقت قد لا تتحمل أشرعتها في هذه المرحلة تلك المهمة، أو أن تنقاد معها، لاحتواء المرحلة، وتجنب الغرق، وتخطي مرحلة التنفس من تحت الماء التي تمر بها، وربما يكفى الله المؤمنين شر القتال .

ومما لا شك فيه، فأن حجم الضغوطات التي تعرضت لها الجماعة، سواء من الحكومة التي استطاعت عزلها قانونياً، واستثمار الانشقاقات الداخلية فيها لصالحها، أو ضغوطات داخلية صرفة، على صعيد التنظيم العالمي، الذي انعكس على الجماعة محلياً، اضافة للخلافات السياسية والاختلافات التنظيمية الداخلية الموجودة أصلاً، أوصلت الحلول إلى حوائط مسدودة، وأرغمتها وحزبها السياسي معها، على الهروب نحو الأمام، فجاء قرارا مشاركة "جبهة العمل الإسلامي" في الانتخابات النيابية، وكذلك الإخوان، باستبدال صقورهم بحمائمهم، وتشكيل لجنة مؤقتة تعنى بادارة شؤونهم وفق مقتضيات المرحلة السياسية الراهنة، انحناءة أمام عاصفة قد تأكل الاخضر واليابس اذا لم يتم تداركها ..

المتحكمون بخيوط اللعبة السياسية يدركون جيداً، انه لا يمكن "استئصال" جماعة الإخوان المسلمين من جذورها، بل ولا هم حتى يريدون ذلك، لان الجماعة ليست مجرد مقار تغلق، وموارد تجفف، وقوانين تطبق، وانتهى الأمر.. وهي كما يعي الواعون تحولت الى "فكر"، وتعدت كونها جماعة وجمعية أو تنظيماً سياسياً فقط، فكان التوجه المرسوم يقضي بـ"تحجيمها" ، وإخضاعها لقانون "مواصفات ومقاييس" السياسة المحلية، وعزلها عن ارتباطاتها الخارجية، بحيث يمكن السيطرة عليها، وضمان بقائها داخل صندوق مغلق..

قرارا الجماعة والحزب، عدا عن كونهما يحملان رسائل سياسية كبيرة مطمئنة ومتناغمة ومتماشية وقد يقرءان سياسياً على انهما "خاضعان" لدوائر صنع القرار .. إلا أنه يتوجب استنباط تبعاتهما لاحقا، وأثرهما الاستراتيجي على بنية الجماعة، ونهجها ومسارها، التي وجدت نفسها مسيرة غير مخيرة، ومدفوعة للمضي في ممرات ربما تكون قد رسمت لها سلفاً، بدقة ودهاء متناهيين للغاية !.

ولكي نستكشف المشهد بصورة أوضح، فان معضلة الحركة الإسلامية مع الانتخابات تاريخياً، كانت تتمثل في أمرين حيويين اثنين لا ثالث لهما : أولهما، قناعتها بعدم نزاهة الانتخابات، لذا كان من الأسلم لها سياسياً، المقاطعة، وعدم المشاركة من الأساس، وهو الطريق الذي انتهجته الحركة، مترقبة تبيان خيط أبيض من أسود، أو حتى يقضي الله لها أمراً كان مفعولا..

الأمر الثاني، قناعة أخرى مترسخة للجماعة، انه في حال مشاركتها بالانتخابات، بحلوها ومرها، وما لها وما عليها، فهي تعي تماما، أن قوانين الانتخاب المفصلة، لا تتناسب مع مقاساتها، وقصة النزاهة ذاتها أيضا، لن تسمح بمنحها حضوراً ونفوذاً سياسياً تحت القبة ، أكثر من صفة "التواجد" ، دون تمكنها ولا تمكينها من الوصول إلى مرحلة الأغلبية البرلمانية الضامنة، المهددة، والقادرة على الحسم والسيطرة ..

على هذين الأساسين، بَنَت قيادات الجماعة التاريخية حساباتها الدقيقة سابقاً، عبر قناعاتها سلفاً أن مشاركتها في الانتخابات ستحسب عليها لا لها، ما دامت طبخة البرلمان معدة رغماً عنها وعن "تواجدها"، وتدرك أيضا أن جلوسها على عدد من مقاعد البرلمان، يأتي في سياق إضفاء صورة جمالية للمشهد الديمقراطي لا أكثر، وزيادة صبغة الشرعية، في وقت ربما ينعكس تواجدها ذاته ضدها، على غرار برلمان 93 الذي مررت خلاله اتفاقيات مع العدو الصهيوني، بوجود نوابها تحت القبة ..

فما الذي جد إذن ؟ وما هي الأسباب والمبررات الحقيقة لمشاركتهم في الانتخابات المقبلة ؟

عدا عن مشاكل التنظيم العالمي التي أثرّت بشكل مؤكد على الجماعة الأردنية، وكذلك انشقاقات عدد من قيادييها، منهم من استقل بحزب منفرد كما انتهجت جماعة "زمزم"، ومنشقون آخرون انتزعوا لاحقاً "جمعية الإخوان" ذاتها، ولو بصورة شكلية .. ما جعل من الجماعة الأصل وفق المعطيات الجديدة إطاراً مخالفاً للقانون، ليس أمامه من خيارات سوى قوننة ذاته، وهو أمر له حساباته وتبعاته السياسية السلبية على الجماعة.. أو أن يُسحب البساط من تحت أقدامها شيئا فشيئا وهو ما حدث بالفعل، عبر وضع يد جماعة المنشقين أيديهم على ممتلكات الجماعة الأم ومقراتها، ومحاولتهم أيضا السيطرة على أصولها المالية الضخمة، فكان لزاماً على الأخوان الخروج مآزقهم، بتكتيكات ومناورات سياسية، تكسر التقوقع والجمود، وتتماشى مع الواقع السياسي الجديد المتجدد، والمفروض أيضاً.

وإذا اتفقنا على أن "قوننة الجماعة" كان السبيل الوحيد المتاح والمفروض عليها لتجاوز الأزمة، فلن يكون لها من منافذ حينها سوى : إما التحول إلى "حزب سياسي"، أو الانخراط في حزبهم القائم أساساً، أو ترخيص "جمعية" جديدة وهو أمر غير خاضع للنقاش عندها، أو بالانخراط في العملية السياسية، لمحاولة إعادة اكتساب "شرعيتها القانونية"،عبر صناديق الاقتراع، وهو ما حدث فعلاً ! ..

تحول الجماعة إلى حزب، أو الانضواء تحت حزبهم المرخص، أمرٌ له أبعادٌ خطيرة لا تتماشى مع الجماعة، التي تعي أن إخضاعها لقانون الأحزاب، يُسري عليها بنوده التي لا تتوافق مع سياساتها، ومنها على سبيل المثال، بند يحظر على الأحزاب تلقي أي تمويل أو هبات أو تبرعات نقدية من أي دولة أو جهة خارجية، أو من مصدر مجهول، وهو أمر كان مغايراً تاريخياً للجماعة، بل هو الذي منحها قوة اقتصادية هائلة، تراكمت لاحقاً بإنشاء مؤسسات اقتصادية محلية تابعة لها، ومنحها كذلك قوة اجتماعية استطاعت التمدد والتأثير بشكل مهول ومنظم عبر مقارها وجمعياتها ولجان زكاتها، على شرائح اجتماعية وبقع جغرافية كبيرة عبر امتداد المملكة .. فأنى لها التماشي مع قانون الأحزاب المقيد لحركتها بشكل مطلق ؟

وبند آخر في قانون الأحزاب، ينص على (عدم الارتباط التنظيمي بأي جهة غير أردنية، أو توجيه النشاط الحزبي بناء على أوامر أو توجيهات من جهات خارجية)، ما يعني أن تحويل الجماعة إلى حزب أردني مرخص، سيعزل ويسلخ "فرع إخوان الأردن" عن التنظيم العالمي ؟!

ووفق المثل الشعبي العامي القائل، "شو رماك على المر .. "، لم يكن أمام جماعة الإخوان سوى المشاركة في العملية السياسية، والقبول على نفسها بصفة "التواجد" في البرلمان معطية نفسها مساحة أكبر للمناورة السياسية، والمفاوضة، مع الحكومة التي ترى أنها تعاديها، عبر نوابها المنتخبين لاحقاً بصرف النظر عن عددهم تحت القبة، ما يمكنهم كذلك من خلال تواجدهم في السلطة التشريعية بضمان بقاء "شرعية الجماعة"، وهنا جاء قرار المشاركة ، كتكتيك سياسي في معركة "صراع بقاء" يهدد هويتهم وكيانهم، آملين إيصال سفينتهم إلى برهم المنشود، أو حتى المحافظة عليها من الغرق .. ويكفي !



إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات