واشنطن إذ تلوّح بـ«خيار شمشون»!


ما الذي بمقدور الولايات المتحدة أن تفعله إن ظلت الحكومة العراقية على استمساكها بموقفها الداعي لتعديل "مشروع الاتفاقية الأمنية - الإستراتيجية" المتفاوض عليها بين البلدين ، وهل تكفي أوراق الضغط التي تلوّح بها واشنطن لثني بغداد عن عزمها تعديل المشروع في خمسة من مواضعه الرئيسة. هل ثمة "بدائل" أمام واشنطن غير "خيار شمشون" ، وما الذي يعنيه خيار كهذا في الحالة العراقية؟ أسئلة وتساؤلات تجيب عنها بعض التصريحات والتسريبات التي يطلقها مسؤولون أمريكيون مدنيون وعسكريون ، والتي يستشف منها:

(1) أن واشنطن ستطلب إلى قواتها العاملة في العراق الانكفاء إلى معسكراتها وعدم القيام بأية عمليات قتالية على الأرض العراقية.

(2) يعني ذلك أن حماية الأجواء العراقية والحدود البرية لم تعد من مهمات وصلاحيات القوات الأمريكية ، وعلى العراقيين تدبير أمر دفاعهم الذاتي بأنفسهم.

(3) أن القوات الأمريكية ستكف عن حماية المنشآت والشخصيات العراقية ، وعلى حكومة المالكي تدبر الأمر من جانب واحد.

(4) ويعني ذلك عمليا رفع الغطاء عن "مجالس الصحوة" التي كان لها دور مشهود في ملاحقة القاعدة وتصفية نفوذها في أهم معاقلها.

ما الذي يعنيه ذلك عمليا في ظل عدم بلوغ العملية السياسية الجارية في العراق ضفاف الاستقرار والتوافق الوطنيين ، وفي ظل عدم اكتمال عملية بناء القوة والأجهزة والمؤسسات العراقية؟ إنه يعني ببساطة ترك العراق من جديد لمواجهة مختلف أنواع التحديات والتهديدات ، منها على سبيل المثال لا الحصر:

(1) سيكون بمقدور إيران تحويل العراق إلى ساحة خلفية لأنشطة أجهزتها الأمنية والعسكرية ، المدنية والدينية ، من دون رقيب او حسيب.

(2) سيكون بمقدور سوريا أن تثأر لعملية البوكمال عبر تسهيل دخول "المقاتلين" العرب من دون رقيب او حسيب أيضا ، وهي ألمحت إلى ذلك على أية حال وإن عادت لنفيه.

(3) سيكون بمقدور القاعدة أن تلتقط أنفاسها من جديد ، وأن تعيد تجميع شتاتها بعد العمليات والملاحقات الموجعة التي تعرضت لها.

(4) سيكون بمقدور "البعثيين" وبعض قوى المقاومة العراقية استعادة زمام المبادرة من جديد وإعادة تنظيم صفوفهم.

(5) سيكون بمقدور "البيشمركة" أكثر المليشيات تنظيما وتسليحا وتدريبا في العراق حسم الصراع في "بؤر الصراع" مع العرب العراقيين سنة وشيعة ، وسيفتح ذلك الباب لانفجار حقل الألغام في العلاقات العربية - الكردية.

(6) ولسنا نستبعد أن يعود العنف المذهبي للعراق ، وأن يعود الاقتتال الشيعي - الشيعي ، لا سيما أن التيار الصدري لديه الكثير من الحسابات ليصفيها مع بعض خصومه من أبناء المذهب والطائفة والوطن ، كما أننا لا نستبعد اندلاع اقتتال سني - سني على خلفية الثارات المبيّتة بين القاعدة والسلفيين من جهة و"مجالس الصحوة" من جهة ثانية.

قد تبدو صورة سوداوية ، وقد يقال أن مثل هذه "التداعيات الافتراضية" تجعلنا نرفع من مسألة بقاء الاحتلال الأمريكي للعراق إلى مستوى "المطلب والضرورة الوطنيين" ، وهذا أمر وإن بدا منطويا على بعض المبالغة والتشاؤم ، إلا أنه يعكس اثنتين من حقائق الوضع في عراق ما بعد الحرب والاحتلال:

الأولى: عدم بلوغ العملية السياسية الجارية في العراق ضفاف الاستقرار والتوافق الوطنيين.

والثانية عدم اكتمال عملية بناء مؤسسات الدولة وأجهزتها العسكرية والأمنية و"تميّز" ما بني منها بالصبغة "المذهبية والطائفية" ، الأمر الذي قد يجعلها تتحوّل في "لحظة ما" إلى جزء من المشكلة بدل أن تكون أداة للحل.

الوجه الآخر لصورة المشهد العراقي الراهن يقول: أن ما تلوّح به واشنطن من أوراق تهديد وابتزاز في وجه العراقيين لن يصيب هؤلاء وحدهم ، بل سيصيب الولايات المتحدة ذاتها ، وفي مقتل على الأرجح ، فانزلاق العراق من جديد إلى مربعات العنف والتطرف والاقتتال الأهلي ، واستتباعا تنامي احتمالات تقسيمه ، سيكون المسمار الأخير في نعش "الهيمنة الأمريكية" في الشرق الأوسط ، وسيعيد حرب واشنطن على الإرهاب إلى نقطة الصفر ، وسيلحق أفدح الضرر بمصالح وواشنطن وحلفائها من المعتدلين العرب ، إي باختصار سيجهز على كل ما اعتبر خلال السنوات الثماني الماضية ، نجاحا أمريكيا ، ولهذا يمكن القول أن ما تلوح به واشنطن في وجه العراقيين ليس في واقع الحال ، سوى "خيار هدم المعبد" المعروف اصطلاحا باسم "خيار شمشون" ، فهل تفعلها واشنطن (البراغماتية أساسا) ، والأهم هل ستفعلها حكومة المالكي والطبقة السياسية الجديدة الحاكمة في العراق والتي قيل ما قيل بشأن "عمالتها" و"تبعيتها" للولايات المتحدة؟.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات