نون النسوة


كل يوم تسمع عن واحد ما في دولة ما يكتب كتابه على طفلة في التاسعة او العاشرة او الثانية عشرة من عمرها ، وما بين من يبحث عن فتوى شرعية لتبرير غزوته على "رضيعة"..وبين من يقول انه لا يخالف الشرع ، فان بعض هؤلاء لا يرون في الاسلام ، الا هذا الجانب.

الامر يمتد الى انشغال الفقهاء بأنواع الزواج المباحة والقديمة والجديدة ، من المتعة الى المسيار الى العرفي ، الى غير ذلك من انماط زواج صحيحة او باطلة ، ورسم صورة للاسلام بهذه الطريقة ، بجعل التركيز على فقه الانكحة ، هو الغالب ، هو امر مؤسف بحق ، وكأن كل مشاكل المسلمين ، تم حلها ، وكأن لا شغل شاغلا لنا ، الا "نون النسوة" ومشتقاتها ، من رضيعات او مراهقات ، وتتوقف عقول بعض هؤلاء حين تسألهم حول قضايا اكثر اهمية ، وتنحصر اجتهاداتهم ، في "نون النسوة" فيما العالم ، يحتل الكواكب الاخرى ، ويتقاسمها ، مثلما تقاسم الارض منذ زمن بعيد ، ونحن ما زلنا نوزع تهم الشرك والتكفير على بعضنا ، وننشغل بتصنيف بعضنا ، ونشرب دم بعضنا.

العجيب ، ان يعتقد المجيب عن اي اسئلة في هذا الصدد ، انه يقدم خدمة للاسلام والمسلمين ، فكل سؤال له جواب ، وكل سؤال ، يجب ان تتم الاجابة عنه ، وحين تتصفح مواقع الانترنت تتعجب من كل هذه الاسئلة الهادرة التي يبثها الاف الذين يفكرون بنون النسوة وحسب ، وترى الاسئلة تبدأ ، حول القبلة في رمضان ، وتصل حد السؤال ، حول قضايا محرجة ، تكشف حجم صغر العقل العربي ، المشغول بنصفه السفلي فقط ، بعد ان سلم نصفه العلوي وعقله ، الى وكلاء ، في كل مكان ، يفكرون بالنيابة عنه ، ويقررون كيف ينام وكيف يصحو وكيف يأكل ، وبأي قدم يدخل البيت ، ويأخذون عقله الى مدارات سوداء ، لا تفيدنا لا..في دنيا ولا في اخرة.

صليت الجمعة ، قبل يومين ، وخرج الخطيب للجمعة الثانية يحدثنا على التوالي ، عن حقوق الزوج الواجب تقديمها من جانب الزوجة ، ولم يحدثنا ابدا عن حقوق الزوجة ، وجاء الينا بقصة قال فيها ، دون ان افتي في صحتها او عدم صحتها ، يقول فيها ان الرسول قال لفتاة ان حق الزوجة على زوجها ، يصل الى درجة ان تلحس جسده اذا كان متقيحا ، وان برازه - استخدم الكلمة العامية فوق المنبر - لو كان فيه دم وصديد ، ولو شربته لما اوفته حقه ، قال هذه القصة ثلاث مرات ، وعبر السماعة ، على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى كدت انفجر منه واترك الصلاة واخرج ، ولا اصلي خلفه ، وانا لا املك علما بصحة القصة من عدم صحتها ، لكنني اسأل هل من المنطق ان نصدق هكذا حكايات ، تعف منها النفس البشرية ، وهل من المنطق ان يرد مثل هذا الكلام على لسان رسول الله ، وفقا للرواة ، وهل من المعقول ان يطرح الاسلام نظرة استعبادية للمرأة الى هذه الدرجة ، والرسول صلى الله عليه وسلم بذاته ، كانت الى جانبه امه ثم مرضعته ثم خديجة ، ثم عائشة وفاطمة ، وهل يجوز ان نصدق كل كلمة خطت في كتاب قديم حتى لو خالفت قدر الرسول ومكانته كخاتم الانبياء والمرسلين ، باعتبار ان الراوي دائما صادق ، وهل يصح لهكذا خطيب في عام 2008 ان يخرج ليحدث الناس ، بهذه الطريقة ، فيما حولنا احتلالات ، ولدينا في بلدنا مشاكل بحاجة الى حلول ، لا تعد ولا تحصى ، تركها كلها ، ولم يجد قصة يستدل بها على رأيه الا هذه القصة.

لا يمكن للنهضة ان نراها بأم اعيننا ، ما دام هناك تحجر ، وما دام الخوف وعدم الاجتهاد هو السائد ، واذا اعترضت على كثير مما يقال ، قيل لك انك جاهل ، او مدعْ ، او لا تفهم شيئا ، وقيل لك ان كثيرا من القصص التي تروى ثابته ، في الاحاديث ، وجميع الاحاديث بطبيعة الحال منقولة عن رواة ، واذا افترضت ان كل مايقال هو صحيح ، فأين هي القدرة على التجديد ، واين هو الفصل بين ما يصح قبل الف عام ، وما يصح اليوم ، الا اذا اراد البعض ان يقنعنا ، ان الاسلام توقف عند ولادته ، وهو تصور جاهل بحق ، ومحزن حد نزف القلب ، ضيقا وقلقا ، وهذا يفسر اليوم ، كثير من التراجعات في شؤون الدنيا.

لا افتي ولا اجاوز حدي ، غير ان اشغال الناس بنون النسوة وحكاياتها المختلفة ، وترك كل المشاغل الاخرى ، امر يؤشر على تراجع الاولويات ، وغياب البوصلة ، وكل من صعد على منبر يشطح كما يريد ، ولا يحق لك مناقشته ، اساسا ، ولو من باب احترام حرمة المسجد ، بسرد هكذا قصص ، يصر هو على صحتها ، واصر انا حبا في رسول الله وقدره ، وهو الذي بعث ليتمم مكارم الاخلاق ، انها قد تكون مدسوسة في الاساس ، ومصيبتنا الكبرى ، هي غياب العقل والعلم المادي ، لصالح تأجير العقل لاخرين ، في قضايا كثيرة ، واعتبار ان كل من حوقل وبسمل صارت له "القيادة" في شؤون الدنيا ، باسم الدين ، وفقا لفهمه هو للدين.

اعتذر لك يا رسول الله من كل قلبي ، مما يفعلون ، فأنا براء مما ينطقون ويفتون ويشطحون ، حين يخالف بعضهم خطك من حيث يعلمون او لا يعلمون...اعتذر لك بحق ، وتدمع عيناي على هذا الحال.

m.tair@addustour.com.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات