"تشغيل السوريات" .. هواجس توطين وديموغرافية وهوية وطنية


سماح وزارة العمل لأخواتنا اللاجئات السوريات بالعمل كخادمات في المنازل خطير للغاية، وبمثابة توجه لدمج المكون السوري الشقيق في المجتمع الاردني شيئاً فشيئاً، بشكل قد يفسره البعض أنه يوطىء لتوطين مليون ونصف المليون لاجىء سوري في المملكة.

وبصرف النظر عن أخلاقيات هذا الأمر، فالشقيقات السوريات لاجئات مهجّرات أرغمن على الهروب من بلدهن، وكان الاجدى بدول النفط العربي، أن تقدم زكاة ملياراتها، لبنات الأمة الثكالى والأرامل المهجرات، وأن تتحمل الأمتين العربية والإسلامية، بل ودول العالم الذي يزعم التحضر كذباً مسؤولياتهم الانسانية، بحق أناس تقطعت بهم الدنيا وجارت عليهم أوطانهم، بدلاً من إزكاء دول ٍ لنار الحرب في بلادهم والمنطقة بأسرها، وصبّ الوقود في أتونها، وتركوا الأردن الفقير يواجه تبعات صراعهم وحده، بكل وقاحة.

حتى مؤتمر لندن سيء الذكر، ألقى بالفتات علينا، فيما تضخ دول العالم ترليوناتها لتأجيج الصراع في المنطقة ، ولا يكترث أحد لا بلاجئين ولا مهجرين، ولا قتلى ولا مفقودين، فالدماء العربية هانت حتى على أمتها وأبنائها وحكامها وأوطانها ..

اللجوء والتهجير القسري السوري، وإن كان لنا شرف لم تطاله دول العالم باغاثة أشقائنا المكلومين منه، رغم فقرنا وأوضاعنا الاقتصادية المتردية، فهو واجب لا منة فيه ونقطة.. إلا أن نترك وحدنا في وجه العاصفة، ونواجه تبعات مخططات كونية في المنطقة وحدنا .. يتوجب علينا حينها أن نرفع صوتنا عالياً، ونوصل رسائل قاسية إلى دولٍ شقيقة أولاً بعيداً عن حيائنا المعتاد، وخطابنا الدبلوماسي الخجول المهذب، ورسائل أخرى، لدول غربية تتبجح بحقوق الحيوان قبل حقوق الإنسان، أنْ هذه حربكم في منطقتنا، فادفعوا أنتم فواتيرها القذرة، وكفّوا أيديكم عنا وعن بلادنا.

الغضاضة ليست في عمل شقيقاتنا المهجّرات السوريات بعينه، فلدينا من بناتنا وأخواتنا الأردنيات من يعملن خادمات في مدارس ومستشفيات وغيرها، وهو شرف لا عيب فيه بتاتاً، إنما هن يشتغلن بشكل طبيعي وبإرادتهن، وفي وطنهن، وليس قسراً تحت وطأة الهروب واللجوء لا قدر الله.

منظمات "حقوق الانسان" المتواطئة الكاذبة، ليست معنية بحقوق عربي ومسلم، ولا تعني لها الدماء العربية شيئاً و"المجتمع الدولي" المزعوم  يتكالب علينا في قرارات الحروب ، ويتنصل من تحمل تبعات سياساته لاحقا، بكل عهر وخسة.

تشغيل أخواتنا السوريات خادمات في المنازل، وهو وصف لا يرتضيه قلمي لهن، ستتكشف تبعاته لاحقاً وسريعاً وتباعاً، فسوف نشهد قريباً مشاكل إجتماعية بشكل مؤكد، كما سنشهد إرتفاع نسب زواج الاردنيين منهن، وسينجبن لاحقاً اطفالاً أردنيين من آبائهم، ما يعني أنهن سيتحولن في وقت ما، إلى مواطنات أردنيات، أو "منقوصات حقوق" على غرار قصص أخرى، ويعني أيضاً، إنخراط ذويهن اللاجئين أكثر في المجتمع الاردني بحكم المصاهرة، وحكم الوظيفة والعمل، الذي بات متاحاً لهم بكل يسر وسهولة، بل ومقونناً.

ولكي لا يفهم الحديث نقيض سياقاته، ليس من قناعاتي، ولا مبادئي، ولا معتقدي، ما يفرق بين سوري وعراقي ومصري وخليجي وأردني ابداً، فكلهم بالنسبة لي على ذات المسافة، وأبناء أمتي المكلومة، ولا يقصد بالحديث هنا أي انتقاص أو غاية مخبئة، فأخواتنا المهجرات السوريات أعراضنا، وأمانة في أعناقنا، وأرى أن مكانهن الطبيعي يكون في حمى الدولة الاردنية وأهلها، حتى عودتهن الى بلادهن سالمات معززات مكرمات هن وأهلهن، أو يقضي الله أمراً كان مفعولا..

دمج ملايين المهجرين السوريين، في المجتمعات التي لجأوا اليها، ومثلهم عراقيين، وفيهما فلسطينيين مهجرين اليهما ومعهما، سيفرض "أمراً واقعاً" تقتضيه قواعد اللعبة الدولية لتغيير ملامح المنطقة برمتها.


تركيز ذات الدول المتحكمة بخيوط اللعبة على توظيف "نتائج الصراع" كاللاجئين وغيره، وأبقاء الصراع ذاته دائراً ومتقداً، بل والمحافظة على رفع وتيرته، فاتحة أمده لمراحل طويلة جداً، دون طرح أية حلول لانهائه، تفضحه شروط دول مانحة تطلب مقابل أموالها، تشغيل اللاجئين السوريين ودمجهم في المجتمعات التي استقروا بها.!

"توزيع" اللاجئين السوريين في دول الجوار، يأتي ضمن منظومة تهدف لأحداث تغييرات جغرافية وديموغرافية في المنطقة، لترسيم معالم "شرق أوسطية جديدة"، وإعادة تقسيم المنطقة المقسمة أصلاً، على أسس مذهبية وطائفية وعرقية، تتناغم مع مصالح الكيان الصهيوني، ليبقى متسيداً مهيمناً، ومصالح قوى نافذة أخرى، لها أطماعها ومشاريعها المكشوفة ، وتسعى لاعادة انتاج "سايكس بيكو" جديدة، على انقاض دويلات عربية متناحرة مفتتة ومنهارة ..

الحديث عن جزئية الديمغرافية الاردنية من هذا المشهد الاقليمي التراجيدي، طويل ومعقد وغني بالنقاش، ولا يتسع النص لاحتوائه.. تتناقله الصالونات السياسية الاردنية، وتبدي فيه مخاوفها بأن تنعكس الصراعات المحيطة محدثة تغييرات جذرية في تركيبة المجتمع الاردني، بحيث "تذوب" فيه "الهوية الاردنية" تحت وقع مكونات أخرى.!

وقبل هذا وذاك، لنتفق أولاً كاردنيين على قواعد مشتركة للفهم : هل ينظر للأشقاء السوريين اللاجئين عندنا كـ"ضيوف" ، حالما تضع الصراعات والحروب أوزارها في بلادهم ، يعود منهم من عاد، ويبقى من شاء مرحباً به مثلاً ؟.. أم بات ينظر لهم كمكون اجتماعي ثابت، مرشح للنمو ايضاً، وصار ضمناً في منظومة المجتمع الاردني، ويتم تهيئة المناخ والاجواء له للاستقرار الدائم ، لانعدام آفاق الحل في المستقبل القريب وخلافه ؟.

سؤال هام بلا شك، يحتاج الى نقاش مستفيض .. ويحتاج كذلك الى توضيحات خارج سياق "التطمينات التراثية"، ويحتاج أيضاً الى ردود حازمة وحاسمة.



تعليقات القراء

خالد عبابنة
كلام سليم وفي غاية الخطورة
06-06-2016 02:15 AM
Nayef
أبدعت أخي الكاتب كلام يستحق من كل اردني حريص ع وطنه التفكير بتاني بهذا الامر الذي يعتبر بالامر المقلق
06-06-2016 02:03 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات