" شهر رمضان والأزمات الخانقة "


في هذه الايام سيحل على الأمتين العربية والإسلامية ضيفاً عزيزاً، يحمل لنا مصابيح الأمل والنور والهدى والطاعة، إنه شهر رمضان يشرق في النفس فينير جنباتها التزاماً بالعبادة وتلاوة القرآن والإحسان الذي لا حدود له، ويطهر القلب من كل كدر يتعلق بالدنيا أو بالعلاقة بين الناس، وَيُصفي الروح من بقايا الشك في المعتقد ليجدد النقاء والطهر ويغرسه بالذات لتحقيق المقصد الشرعي الأشرف " لعلكم تتقون ".
تهفو النفس المؤمنة إلى نفحات إيمانية تتعرض لها، في معركتها الدائمة مع الحياة الدنيا، وما فيها من أوضار ومنغصات، تسلب الإنسان أحلى ما يملكه من تجليات إنّه يحتاج إلى وقفة جادة لإزالة ما تراكم عليه من آثام وخطايا بحكم أنه إنسان، ولكن الله فتح للمؤمن باب التوبة النصوح لتلافي القصور في الطاعة والإنابة، والاندفاع إلى الإمام وقد نفض عنه وسوسة الشيطان، ووأد القيل والقال، وقد وعد الله المؤمنين الصائمين بتصفيد الشياطين في رمضان، وأمر بفتح أبواب الجنة لبلوغ مرضاته، وفي كل ليلة ينادي مناد من السماء:" ياباغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر".
يأتي شهر الخير على أمتنا وقد اكتست بعض بلادها بالثورات والنزاعات والحروب والقتل، وسفكت في أنحائها الدماء، دون تمييز بين الطفل والمرأة والمريض، وللأسف كلّ يدعى أنه على الحق وغيره على الباطل، ومن المؤلم أن نفراً من أبناء العروبة والإسلام تمترسوا في خندق السلطة والزعامة، أعطوا لأنفسهم صك الغفران، وبالمقابل ضيعوا حقوق البلاد والعباد، عاشت شعوبهم في كبت وإذلال وقهر، نهبوا الخيرات، وعاثوا فساداً في الأرض مع بطانتهم الفاسدة، ويوم أن صحت الشعوب على واقعها المرير، وحدثت الانتفاضات الشعبية والشبابية مطالبة برفع الظلم وتحقيق العدالة والحرية، استأسد بعض الجبابرة الذين لم يألفوا مثل هذه المطالبات وبدأوا بحفر الأخاديد المليئة بالنيران لأبناء شعوبهم، الذين أرادوا الحياة الكريمة مطالبين بالإصلاح ومحاربة الفساد الذي عشعش في عقول ونفوس وأجساد مجموعة من المنتفعين، الذين يقدمون مصالحهم الشخصية على المصالح العامة حتى ولو أدى بهم الأمر إلى سحق الناس وقتلهم بدون رحمة، لقد ذاقت الأمة الهوان من قادة تربوا في أحضان أعداء الدين والوطن، بعد أن مسخت عقولهم إلى الأسوأ، وجندوا للانتقام المحموم من أبناء جلدتهم، وليس للشعب المطالب بحقوقه ذنب إلا رفضهم للظلم والتعسف والاستبداد.
شهر رمضان مدرسة فيها تهذب النفس وتصقل، وفيها يتربى الإنسان على مكارم الأخلاق ومعالم الفضيلة، ومنها يتخرج الدعاة والعباد والزهاد، وفي ظلالها تنبت شجرة الإحسان والتعاون والكرم، فيها يتعلم الإنسان الصلة مع القريب والبعيد ويتم التواصل مع الأرحام والفقراء والمساكين للتوسعة عليهم، انه مدرسة اجتماعية تعلم التكافل وتدعو إلى البذل والعطاء تخفيفا عن ذوي الحاجات والمعوزين، طوبي لمن عرف معنى عبادة الصيام وتذوق حلاوتها، لا مجال في ظلها للتنابر بالألقاب، أو الخصام، أو الغيبة، أو النميمة، أو التشاحن والتباغض، طوبي لمن أدرك باب الريان ووقف على مشارفه إيذاناً بالدخول إلى رحاب الجنة، وأسأل الله العظيم أن ينعم على امتنا بالأمن والإيمان وتعم الألفة والمحبة بين الناس، وأن يصلح الله ذات بين المسلمين.
كما وأسأله جلت قدرته أن يجمع شمل أمتنا وقد تعافت من أمراضها النفسية والاجتماعية لتعود لها العزة والكرامة وقد جددت العهد مع الله تطبيقا لدينه الشريف، قال تعالى" والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" صدق الله العظيم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات