اشتباك مع مالك الحزين


طائر البلشون الذي يعيش على أطراف البحيرات والمستنقعات ، اشتهر باسم آخر هو (مالك الحزين) ، ليس لأنه فقد زوجته بحادث سير على دوار الداخلية ، أو قتل أخوه في زفة عرس ، ولا لأنه خسر في البورصة ، بل لأنه إن شرب ، لا يشرب حتى يرتوي، ، بل يمج مجة صغيرة بطرف منقاره: فهو يخاف أن ينقص الماء ، فلا يقدر بعدئذ على العوم ، ولهذا يظل حزينا إلى يوم يبعثون،.

واسمحوا لي أن أقول للسيد مالك الحزين: إنك مجنون ، وابن مجنون بعد، ، يا رجل ، لديك أجنحة ضاحكة للطيران كشراع وتخاف. يا رجل اشرب وحلق في عباب الغيم والدنيا والحياة ، فالسماء أجمل ، ومنها سترى ماء كثيراً وبحيرات.

ولربما حالنا في أكثر الأحيان هي الحزن والخوف ، ولهذا نحيا حياة التذمر والتشكي والتباكي والتحسر بحذافيرها ، فكثيرون أؤلئك الذين يتقنون الحديث عن أوجاعهم وآلامهم ، حتى تآخوا معها وصاهروها ، وباتوا يتمتعون بسردها واجترها في كل آن وأوان ، وهذا ما يجعلنا في العادة خرساً وبكماً عن أفراحنا ومسراتنا ، حتى ولو كانت صغيرة ، فلا نتقن بثها والتمتع ببوحها،.

اننا في العادة نتخذ عدسات محدبة ومقعرة،: لنرى الأشياء حولنا ليست مجردة ، فعدسة محدبة نحدق بها إلى أحزاننا: فتبدو أكبر من واقعها ، وتتضخم حتى تملأ حياتنا وتقتلها خنقاً ، والعدسة المقعرة نحملق فيها إلى أفراحنا القليلة ، ومسراتنا الصغيرة: فتصغر أصغر حتى تتلاشى. فلا نحيا حيواتنا كما ينبغي ونصبح كمالك الحزين ، لا ماء شرب ولا سماء قطع،.

بعبارة أكثر وخزا: حزننا دائماً يملأ جرة حياتنا حتى الترقوة، ، نكرعه باستمرار وادمان واستمراء ، حتى على غير عطش ، فلا نحيا يومنا بعيداً عن سقطات ماضينا وهفواته ، ولا نحياه بلا تشاؤمنا من مستقبلنا الآتي: فنضيع ضياعاً مضاعفاً، ، حتى غدت حالنا كحال جداتنا القديمات (بعضهن طبعاً) ، اللواتي عشن ومتن على التذمر والتشكي ، انسياقا مع المثل: هاظا إنت يا جدة ، كان في الرخاء ولا في الشدة،.

لماذا لا نرمي عكاكيزنا العوجاء بعيدا عن خط خطانا ونمشي على سجيتنا ، ولماذا لا نكسر جرار حزننا ونقذف كيزانها بعيداً ، ونشرب بحفناتنا ما تيسر من ماء الحياة. ولماذا لا نخلع نظاراتنا السميكة كقيعان الكؤوس ، ونرى العالم ونحيا الحياة، ، فلمرة أتوق أن نحلق بأجنحة التفاؤل ، بعيداً عن نتن الماضي ، فالمستقبل هو الأجمل ، وعليه الرهان،.

ramzi279@hotmail.com

الدستور
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات