الرفض الإسرائيلي المستمر لمفاوضات السلام متعددة الأطراف


لم تمض أيام قلائل على المبادرة الفرنسية للسلام التي قدمت من قبل رئيس الوزراء الفرنسي لاستئناف مفاوضات السلام المتعثرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مانويل فالس، حتى بادرت الحكومة الإسرائيلية ممثلة برئيس وزرائها برفض المبادرة بذريعة أن المفاوضات الثنائية المباشرة هي أفضل السبل للتوصل إلى حل سلمي بين الطرفين، الأمر الذي لقي تأييد الولايات المتحدة الأمريكية أيضا وهو ما يشكل فشلا ذريعا للدبلوماسية الفرنسية التي لا يبدو أن مبادرتها كانت تروق للحليف الأمريكي لتظل هي الراعية الرئيسة لجهود السلام في المنطقة.

لم يكن رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي للمبادرة التي شكلت ضربة موجعة للدبلوماسية الفرنسية مفاجئا البتة، استنادا إلى التاريخ الطويل من المفاوضات معها، وطبيعة اليهود في التعامل مع الضغوطات التي تمارس عليهم، إذ أن المفاوضات التي جرت بين الفلسطينيين والإسرائيليين في معظمها حتى قبل تأسيس الدولة الاسرائيلية اغتصابا على الأرض الفلسطينية بعد صدور وعد بلفور المشئوم الذي أعطى لمن لا يملك حقا يملكه غيره لم تشهد إلا احترافية في المراوغة والخداع، حتى في الفترات اللاحقة للحروب العربية الإسرائيلية والانتفاضات الفلسطينية المتتابعة في مقاومة الاحتلال، والمبادرات الدولية المتتالية كذلك في العمل على الوصول إلى حل مرض للشعب الفلسطيني، إضافة إلى المبادرات العربية التي تم تقديمها لتحقيق تلك الغاية، ولم يتعد جل ما تم التوصل إليه منذ أكثر من عقدين من الزمان وجود السلطة الفلسطينية في فلسطين إلا ضمن إطار ما ورد في اتفاق أوسلو التي كان من المفترض أن تؤدي تفاهماته لاحقا إلى إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما لم يحصل حتى تاريخه.

علاوة على ذلك، فإن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة لم تحققمن النجاح ولو قدرا يسيرا في الوصول إلى حل يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية التي يحلم بها الشعب الفلسطيني كغيره من الشعوب. تتالى المبادرات حول القضية الفلسطينية، وآخرها المبادرة الفرنسية التي رحبت السلطة الفلسطينية بها لعلى وعسى، ولكن الرياح يبدو أنها ستظل ستسير على ما يبدو بعكس الاتجاه الذي تشتهيه السفن، إذ أن المبادرة الفرنسية وأدت في مهدها وقبل أن تبصر النور.

سيظل كل مسئول إسرائيلي، يرفض المؤتمرات الدولية والمبادرات العربية للسلاموالتي تتم الدعوة إليها بين الحين والآخر لاستئناف المفاوضات لأنهم يرون في ذلك وسائل من الضغط ستمارس عليهم ولو بالنزر اليسير لتقديم ما يدعون أنه تنازلات من جانبهم لإرضاء المجتمع الدولي، مع أن ما سيتم إعطاؤه للفلسطينيين لا يشكل إلا نسبة قليلة وقليلة للغاية من حقهم في أرضهم التي انتزعت منهم غصبا وعن سابق إصرار وترصد وتخطيط شيطاني، ومن المعلوم أنهم يفضلون الوساطة الأمريكية فحسب في مفاوضات السلام، لسبيين الأول منهما عدم رغبتهم في تدويل القضية الفلسطينية من جديد بعد أن عملوا على إلغاء المرجعية الدولية للمفاوضات قبل سنوات طوال، والثاني معرفتهم بأن الجانب الأمريكي لن يمارس عليهم إلا ضغوطا شكلية أثناء المفاوضات، ما لم يكن الوصول إلى حل نهائي وفقا للشروط التي يضعونها هم وليس غيرهم دون أي اعتبار لحقوق شعب أو قوانين أو أنظمة دولية، وهو جزء من العنجهية الإسرائيلية التقليدية التي تستمد قوتها من الدعم الدولي السخي لها سواء في المساعدات العسكرية الاقتصادية المباشرة، أو تبني مواقفها والدفاع عنها في المحافل الدولية.

لن تغيير حقيقة أن اليهود لن يقبلوا بحل المشكلة الفلسطينية بالصورة التي تؤدي إلى إقامة وطن فلسطيني قابل للحياة إلا بالطريقة التي يريدونها هم، وبالتالي سيظل الخلل قائما في مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية في حالة استئنافها اقتصارها فقط على الطرفين دون تدخل دولي فعلي، وهو ما لم ولن يحدث لأن بقاء الدولة الإسرائيلية بشكلها الذي تأسست عليه يشكل للأطراف الدولية التي تتبنى سياساتها وتدافع عنها وتتبناها، يظل لهم عنصر الأمان والاطمئنان في المنطقة ما دامت فلسطين هي همزة الوصل بين آسيا العربية من جهة وإفريقيا العربية من جهة أخرى.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات