التنمية وإخفاقها في تحديد أهدافها


يعتبر تحسين الأوضاع التنموية أحد التحديات الضاغطة التي تواجه الدول العربية ومنها الأردن.والتنمية بمفهومها العام هي الانتقال بالمجتمع إلى وضع أفضل ،من خلال استغلال ما يتوفر فيه من طاقات .وهي بتعبير آخر زيادة في الانتاج والخدمات تشمل الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ،وهي بالتالي عملية تغيير شامل يقوم بها المجتمع-الدولة والشعب-وهي زيادة ملموسة في الانتاج والخدمات شاملة ومتكاملة ،ومرتبطة بحركة المجتمع ،مستخدمة الأساليب العلمية الحديثة في التنظيم والإدارة.

فهل وصلت التنمية في بلدنا إلى هذا المستوى؟أم إنها لا تزال تفتقر إلى مثل هذه المفاهيم والأساليب؟وهل هناك مخططات ومناهج معمول بها في أجهزة الدولة تساعد على إرساء عوامل ترتقي بهذه المخططات والخطط إلى تحقيق الهدف المرجو منها إحداث تنمية شاملة متكاملة تحقق الغاية منها وهي الوصول بالمجتمع إلى وضع أفضل؟

فهمت التنمية على أن لها بُعداً واحداً اقتصادياً أو اجتماعياً أو ثقافياً.وتصدر البعد الاقتصادي الاهتمام بموضوع التنمية لما له من آثار كبيرة على نمو المجتمع.غير أن مفهوم التنمية أخذ بالتوسع ليشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ،ثم تطور إلى مفهوم التنمية البشرية،ثم أضيف مفهوم التنمية الإنسانية الذي وسّع مقياس التنمية البشرية بزيادة عناصر جديدة أهمها عنصرالحرية.

إن التجارب التنموية في البلاد العربية لم تحقق النتائج المرجوّة ،واخفقت في نقل المجتمعات العربية إلى مجتمعات ناهضة حضارياً،وقادرة على تبوء مكان لها بين القوى الدولية التي تتعاظم قوتها ويزداد نفوذها.كما إن الانجازات التي حققتها المجتمعات العربية في هذا المجال جاءت دون التوقعات ،والتكامل في المجال الاقتصادي كان محبطاً ومخيباً لتوقعات المواطنين ،فلم ترتق التنمية في البلدان العربية إلى مستوى طموحات وتمنيات الشعوب العربية،وأن الدول العربية تأتي في مؤخرة الدول النامية بالرغم من ثرواتها الطبيعية وإمكاناتها المتنوعة وموقعها الجغرافي الهام.فلماذا انتهت التنمية العربية إلى ما انتهت إليه؟

إن أحد الأسباب الأساسية في إخفاق التنمية العربية يتمثل في استعارة القوالب التنموية الجاهزة من الخارج الذي يختلف جذرياً عن البيئة العربية تاريخياً واجتماعياً ورؤية مستقبلية .

لقد انخرطت الدول العربية المستقلة في الرؤية الغربية دون تمحيص وبنوع من الاستسلامية المتناقضة كلياً مع ما يقتضيه الموقف السياسي من دفاع عن الاستقلال ،وتعميق مضامينه التحررية في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية،ولم نر الدول التي تصدت لمهام التنمية إلا وجهها الاقتصادي ،فأعلنت التنمية رداً على التخلف وتحقيقاً للتقدم الاقتصادي المنشود.

لقد أدى هذا الأسلوب التنموي المحاكي للأنموذج الغربي في النمو الاقتصادي إلى تشوهات أصابت البنى الاقتصادية .وكانت نتائجها المباشرة زيادة العجز في الإنتاج الزراعي ،وزيادة التبعية التي أصبحت هي السمة الجوهرية في هذه التنمية المستعارة.

إن التنمية المستقلة هي التي تجعل أبناء الوطن هم الذين يخططون لبناء المصانع ،وليست إقامة مصانع بأيدٍ أجنبية ،وهذا يعني أن يكون لأبناء الوطن القدرة على البحث العلمي والإبداع .

إن الدول العربية لا زالت تخضع لسيطرة الدول الصناعية المتقدمة واستغلالها من خلال فرض شكل محدد لسياسات الاستثمارات والامتيازات الأجنبية ،وزيادة نشاط الشركات المتعددة الجنسيات.

ولو أمكن للتنمية العربية أن تنطلق من بيئتها الثقافية العربية الإسلامية ،وأن توظف ما تزخر به هذه الثقافة من قيّم العمل والإخلاص والإيثار ،لاستطاعت أن تشق طريقها المستقل دون انغلاق في وجه النماذج التنموية الأخرى .وإن الاعتراض على الأنموذج الغربي ،هو اعتراض على نمط الحياة ومنظومة الثقافة والقيم التي يفرضها هذا الأنموذج ،وليس على التقدم العلمي والتقني في ذاته.

وإن الاعتراض على النموذج الغربي وتقليده هو على ما يتهدد ثقافة وهوية الإنسان العربي من جرّاء هذا التقليد غير المبرر وغير الضروري.

وهكذا ستظل مشكلة التنمية قائمة تواجه عملية التطور المجتمعي ،وستبقى القضية المركزية التي تتحدى خطط التحول نحو بناء المجتمعات المتطورة النامية .

كما إن سياسة التنمية الشاملة الناجحة لابد أن تحدد درجة التحرر من الهيمنة الخارجية،ودرجة نجاح الطريق الخاص الذي ستسلكه والذي يتحدد بدرجة التحرر الاقتصادي التي تعني النجاحات التي يمكن لبلد تحقيقها .

وتتمثل التنمية في دفع قدرة البلد الإنتاجية ووضعها لصالح المجتمع ،وهو التحدي الأكبر الذي سنظل نواجهه ما لم توضع خطط التنمية التي قاعدتها التنمية الزراعية التي تساعد على توفير السلع والمواد الأولية التبادلية مع الخارج للحصول على القروض والقطع النادر. ولتظل الوظيفة الأولية للتنمية الزراعية القاعدة الأساسية لكل انطلاق اقتصادي واجتماعي .

كما إن تدريب وتكوين الأُطر الضرورية في الصناعة والزراعة من العوامل الهامة في عملية التنمية ،وهذا يتم عن طريق ربط المناهج الدراسية بالإنتاج ليكون هدف الخطة هو بناء القطاعات الاقتصادية وتكاملها لتخدم التنمية الشاملة في المجتمع وتظل عملية التنمية مقياساً اقتصادياً لنضج الحكم ،وتجاوب المواطنين مع السلطة ،وليست قضية خبراء ومتخصصين ،بل قضية جماهيرية من الطراز الأول.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات