إسراف


كانا صديقين , ميسوري الحال ولكن كلّ واحد منهما أكثر بخلا من الأخر ، يتفننان في من يكون أكثر حرصا من صاحبه وكأنّهما من أصحاب الجاحظ في كتابه , الذين خلّدهم فيه . ولو أنّه كان يعرفهما لما تنازل عن أن يكونا من أبطال قصصه التي كتب . بخيلان يتبارزان فيما بينهما في شدّته ، ومع أنهما يعرفان أنّ البخل نقيصة في الانسان لا يجب أن تكون ، وأن البخيل غير محمود في مجتمعه ، الاّ انهما يعتبران أن الصفة التي ورثاها عن ألاب والجد ، هي أقرب ما تكون الى الحرص ، ولا يعتبرانها بخلا . فالناس بنظرهما يطمعون بالكريم ، سخي اليد , المسرف كما يصفانه , ولا ينتظرون من الحريص على ماله وأملاكه , أن يكون مادا لهم يده بالمساعدة , أو ان يعطيهم مما أعطاه الله .

جمعهما مجلس عند أحد الاصدقاء ، وبينما كانوا يتحدّثون في شؤون عامه ، عرّج بهم الحديث الى الاحذية وجودتها . فقال الأوّل لصديقه أتذكر الحذاء الذي اشتريناه من محلّ كذا منذ عشر سنين ، وأنت اشتريت مثله ، ها هو في قدمي ولم أصلح فيه حتّى ولا نعله ، انّه صناعة عظيمة ، لا يوجد مثله في هذه الايّام ، وهو أفضل من المستورد ، و مصنوع من جلد متين ، لا تؤثّر فيه السنين ولا يحتاج الى دهان ، مسحة خفيفة ، ويرجع يلمع كأنّه جديد ، بدون رباط ، فليس بي حاجة أن أشتري رباطا كلّما قطع القديم ، مريح للقدم ، لم يكن ضيّقا حين انتعلته ولم يتوّسع أبدا .

أنهى الاوّل كلامه مبتسما وكأنّه المنتصر ، لكنّ الآخر نظر اليه وقال ، أنت مسرف جدا يا صديقي ، فحذائي الذي اشتريته معك منذ عشر سنين ، لا يزال في علبته الكرتونية في خزانة عندي مغلقة ، مفتاحها في جيبي , ولا أسمح لأحد أن يخرج محتوياتها ، وفيها قميص اشتريته قبل عشرين عاما ، لم أنزع عنه غطاءه البلاستيكي الشفّاف أبدا ، ولا يزال على حاله جديدا، كأنني اشتريته بالأمس.

وحدث أن كبر ابن البخيل الثاني ، فقرر تزويجه من ابنة الأوّل ، كي يكونا قريبين في التدبير لحياة فيها من المصاعب الكثير ، وحتّى لا يكونا من المسرفين الذين يبذرّون الأموال في شراء أشياء لا داعي لها . دعا الأب ابنه الى غرفته ، وعند الخزانة توّقف ثم قال ، يا بني سأهديك حذاء اشتريته قبل سنين عديدة ، ولم ألبسه ولم أفرّط به ، وأرجو منك أن تحافظ عليه ، وأن لا تستهلكه في مشاوير غير ضروريّة . فرّد الابن على أبيه وقال ، ولم الاسراف يا والدي ، سأبقي حذائك الغالي عليّ كما هو في الخزانة ، وسأقنع خطيبتي أن تطلب من والدها اهدائي حذاءه ، فهو لا يزال جديدا ، وسيخدمني سنين عديدة .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات