سلسلة العابرون بالوطن (1)


لست إلا رقماً من بين أرقام كثيرة من المواطنين اللذين تحط ركابهم تراب الوطن بعد إغتراب..فما أن تحط ركابنا ونقلب وجوه من حولنا من الأهل والأصدقاء فإذا بجرس مغادرة الوطن يدق على عجل لتلبية نداء الاغتراب من أجل الرزق وخاصة بعد تجفيف الوطن لمنابع الأمنيات والأحلام الصغيرة.
ففي إحدى رحلات القدوم من المملكة العربية السعودية إلى الحدود الاردنية وصلت بسيارتي الخاصة جمارك الحدود الأردنية، وتم تفتيش السيارة وبعد الإنتهاء تم تسجيل معلومات على كرت الدخول وتم تسليمي الكرت بالإضافة إلى احتفاظ الموظف بالجزء الآخر من الكرت والذي يعرف بـ (القرمية) وذلك للرجوع اليه عند الحاجة. وبعدها تابعت إكمال معاملة الدخول بالذهاب الى تأمين السيارات ودفع مبلغ التأمين والمخالفات إن وجدت وأية ضرائب ورسوم و..و..مما اعتدنا عليه من الجباية المفرطة. وبعدها حملت كل الأوراق وانطلقت من التأمين إلى الجمارك وبينهما أمتار قليلة جداً وعيني تطالع في الأوراق للتأكد من وجود كرت الجمارك (دخول المركبة) وعند وصولي موظف الجمارك سلمته كافة الأوراق التي كانت معي، عندها انتهىء المراجع الذي أمامي وأخذ أوراقه وغادر. فقال لي موظف الجمرك أين كرت الجمارك فقلت له أنه مع الأوراق قال لي لا يوجد فأخذت الأوراق وبالفعل لم أجد الكرت..!
وهنا بدأت القصة..فقمت بالبحث عنه بكل مكان وأنا على يقين أنه كان مع الأوراق، فرجعت للجمرك فقلت لهم لم اجد الكرت.. ما الحل..؟ فقالوا لي يجب أن تجد الكرت..فقلت لهم يجب.. ولكن أنا لم أجده وأنا متأكد أنه مع الأوراق، فدخلت على المسؤول فسألني ما هي قضيتك؟ فشرحت له وقلت له أنه هناك احتمالين الأول: أن الورقه سقطت عند موظف الجمرك الذي سلمته أوراقي..والثاني: أن يكون الكرت تم تسليمه بالغلط مع أوراق المراجع الذي كان قبلي..وللأمانه وللإنصاف فقد ترجل المسؤول من مكتبه وقال سأذهب بنفسي وأبحث عن الكرت عند موظف الجمرك..ولكن للاسف لم يجده..وبقي الإحتمال الثاني أنه غادر الكرت مع المراجع الذي قبلي..لكن المشكلة ليست هنا أيضا، فما ضاع ضاع..ولكن قلت لهم ما الحل الآن فأنا قادم من سفر ومتوجه إلى سفر طويل الى شمال المملكة ومعي أطفال..ساعدوني لتجاوز هذه المرحلة وأريد ان أغادر الحدود قبل أن يتأخر الوقت ليلاً أكثر وأكثر.. فقالوا الحل أن تجلس هنا (أربعة وعشرون ساعة) حتى تستطيع المغادرة، فقلت لهم هذا صعب فمعي أطفال، فقال لي آخر أو تدفع..تدفع..فهنا توقفت قليلاً..وأصغيت بالكلمة..تدفع..فهي مألوفة كثيراً كثيراً.. فقلت إذن القضية هي الدفع.. أدفع ولما لا.. فنحن شعب دفيع ومدمنين الدفع..فكم؟ ..فقالوا عشرون دينار..فقلت نعم سأدفع..ولكن أين..فقالوا لي عند المسؤول المناوب..فذهبت إليه وقرأت عليه قصتي وعندما أنهيت قال لي يجب أن تدفع..تدفع..فقلت له نعم أعلم.. سأدفع عشرون دينار..فرد علي بطريقة نعرفها نحن جميعا الأردنين..بأنه عشرون دينار الحد الأدنى للدفع.. ومائة دينار الحد الأعلى..عندها بدأت أشعر بخيبة أمل حقيقية كمواطن يحب وطنه..فابتسمت إبتسامة مسافر مشتاق متعب عائد إلى الوطن على أمل جديد بأن لا يكون المواطن يوماً ضحية وفريسة..وقلت له وما هو معياركم في تحديد الحد الأدنى والأعلى فقال لي بالحرف الواحد (حسب شو بغلب المواطن الموظف)..! فقلت له أهذا هو معياركم.! قال نعم..فقلت (بعين الله).. نعم فالمواطن الذي هو كدجاجة أينما حطت قدميها تبيض بيضة للحكومة أصبح عبىء ويسبب إزعاج لموظفين الجباية..فالمهم طالت القصة فقلت له سأدفع الأعلى بس (يلا خلصوونا)..فقال لي وهذا يحتاج إجراء طويل يجب أن تكتب استدعى لنا بأنك أضعت الكرت والمضحك المبكي بالموضوع أنه يجب أن أذكر بالاستدعاء أنني أضعت الكرت والذي يحمل رقم تسلسل الدخول وهذا موجود عند موظف الجمارك في (القرمية) وهو بمثابة نسخة ثانية..فذهبت وبحثت عن موظف الجمارك الذي أعطاني الكرت عند دخولي وأخبرته فبحث في الدفتر (القرمية) فوجد كل ما يتعلق بمعلومات الدخول الخاصة بسيارتي..فقلت للموظف هذا إثبات صورة أصل عن الكرت الضائع فلماذا لا يعتمد بدون كل هذه (المرمطة) التي لا تولد غير خيبات الأمل وزيادة الفجوة ما بين الوطن والمواطن.. فلم يرد الموظف..فكتبت المعلومات والارقام بالاستدعاء وذهبت إلى الموظف المناوب، وانا حائر واتساءل ً بأنه كان من المنطقي الرجوع الى القرمية ولا داعي للغرامات ولا المرمطة..ولكن رجعت وتذكرت شيء مهم عظيم وهو الأهم ..ادفع..ادفع..ادفع.. حتى تكون كدجاجة تضع بيضاً أينما تحط قدميها.



تعليقات القراء

Rosa
فعلا الوطن مفهومه عنا دفع وبس
02-06-2016 05:32 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات