الضباع وأسد بابل!


ثمة مشهد متكرر على احدى الشاشات الفضائية يمتطي فيه جنديان امريكيان أسد بابل ، الذي زاوج بين الاسطورة والتاريخ على نحو لا يفهمه البرغماتيون الذين لا يحبون التاريخ ما قبل شركة الهند الشرقية وبالتحديد عام 1620 ، ولا أدري لماذا لم ينبض الحجر الذي نحت منه ذلك الأسد ، بحيث يتفتت حجارة بأيدي الاطفال ، وتملأ منه البابليات سلالهن عندما يهاجر التاريخ للمرة الثانية من كوميديا الامبراطوريات الهرمة الدرداء الى تراجيديا الاطفال الذين يفتضحون عري الامبراطور ويعلمون البالغين ان سن الرشد ليست سن البلوغ بقدر ما هي سن الحرية.

ولو قرأ هؤلاء الجنود تاريخ بابل لما أقدموا على هذا الفعل المثير للشفقة والاشمئزاز اكثر مما يثير الغضب ، لكنهم لا يعرفون أن الربيع اقترن بدم الفتى تموز الذي بقر بطنه خنزير بري ، ولا فرق بين الخنازير وخنازير الدبابات قدر تعلق الأمر بانفلونزا الاحتلال أو انفلونزا الخنازير.. وبامكان أي جندي أو مستوطن اسرائيلي ان يمتطي النجمة التي حملت اسم هشام بن عبدالملك ، أو ان يصعد الى أعلى سطح بيت في عكا ، أو يدنس الأقصى ببسطاره الذي يقتاده الى حيث لا يعلم..

لقد احتل الالمان في الحرب العالمية الثانية فرنسا لكنهم خجلوا من بائع الكتب الفرنسي على ضفة نهر السين وهو ينادي باستفزاز بأسماء مثقفي فرنسا الخالدين.. روسو وفولتير وموليير وبودلير ومونتسكيو وديكارت وبقية السلالة الخضراء..

وأحد الضباط الالمان اعتذر لصاحبة بيت فرنسي وعمها العجوز الصامت عندما وقف أمام رف المدفأة وأخذ يقرأ عناوين المجلدات التي علمت اوروبا منذ الثورة الفرنسية والرواية القصيرة التي كتبها شاب فرنسي لا يزال مجهول الاسم لأنه وقعها باسم منطقته (فيركور) تحولت الى لعنة أبدية في ذاكرة النازي الذي لم يستطع قراءة ما سماه سارتر جمهورية الصمت..

لكنه صمت البحر ، الذي تحجب زرقته الهادئة أسماك قرش وحيتان ودلافين وكائنات تعج بها الغابة الزرقاء..

مثلما انتهك المستوطنون مقدسات وآثاراً ورموزاً في فلسطين ، انتهك الامريكيون ما يماثلها في بلاد ما بين النارين ، ولم يسلم تمثال بدر السياب من الرصاص ، ولو وجد الامريكيون المتنبي والفراهيدي والجاحظ لأخذوهم مكبلين الى غوانتانامو،

لكن من استباحوا مصاحف ومساجد وأحالوا لحم الاطفال الى فحم بشري لا يأبهون لكل ما نقول أو يقول الآخرون ، فالتاريخ بالنسبة اليهم مات قبل عشرين عاما ، منذ أعلن فوكوياما وفاته.. لكن شهادة الموت سرعان ما تحولت الى شهادة ميلاد لاطفال عراقيين وفلسطينيين ولبنانيين ، وبدأ التاريخ الآخر ، وليس هذا العقد الأول من الالفية الثالثة الا باكورته الحمراء.. ولو كان الحجر يزأر لشقق أسد بابل السقوف كلها وهو يرتعش بسبب القشعريرة التي انتابته بعد ان امتطاه جنديان لا يفهمان الاسطورة الا انهما مايكل جاكسون او طائرة شبح أو وجبة برغر على الرصيف..

ان البشرية كلها منذ سقراط وحمورابي حتى آخر عربي لم يخلع جلده ، تعتذر لذلك الأسد عما تقترفه الضباع عندما يأزف زمانها،،

 


التاريخ : 18-01-2010
 



تعليقات القراء

الحرية..US..
قرأت جل مقالك وخلصت إلى ما يلي ... كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل...اتبعت نظرية "خالف تعرف"

20-01-2010 08:18 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات