مُعلمونا في الغُــربة سيِّــدي الوزير


المُعـلمـــون .. تَغَــرَّب هــؤلاء عن الوطـن لا من قيــودٍ ولا أغــلال ، لكنَّــه ضيــق الظروف الاقتصــادية التي ألمَّت بهم وســوء الحــال ، تَغَــرَّبوا ليجــدوا لهم سبيــلاً إلى الرزق وانفــراجاً لغلبَــة العُســرة ، تَغَـــرَّبوا وهم يحمــلون في قلوبهــم وطنــاً وعلى أكفِّهــم شمــوخاً يُلقــون أنفسهم في مهــاوي الرَّدى لأجلــه ، تَغَـــرَّبوا وهم موقنـــونَ بأنَّهــم سيعــودون أعِـــزَّةً بقــدر ما لطَّـــخَ الفقــرُ جبــاههم الشمّــاء ..

تَغَـــرَّب هــؤلاء فكانت غربتهــم مختلفــة ، فربَّمــا تخَـــلّلَ جيــوبهم بعضُ المــال ، لكنه سُــرعان ما تحَــلّلَ وتفتت ، وهم يقفـــون أمام خيبــة ثقيلــة وقاسيــة ، فقــد حُــرمَ معلمــونا حقِّهــم في احتســاب خبرتهــم الطــويلة في فترة اغتــرابهم سواء أكانت إعـــارة أو إجـــازة بدون راتب أو حتى من حــق الدرجــة والترفيع ؛ إنَّهــا القَضيَّــة الأولــى التي أنهكت الأقــلام والقـــلوب ونــداءات الحنــــاجــر بلا مُجيب ، القضيّــة التي باتت همَّــاً مُــؤرقــاً لهم حتى وصلــوا حــدّ اليــأس ، نظـــراً لما قابلتهــم به كافة الجهــات المسؤولة من صمتٍ مُبهـــمٍ لوزيــر أو عدم اكــتراثٍ متعمّــد من مســؤول رغــم تعــدد الحــوارات والمناقشات واللقـــاءات والمطــالبات والزيارات ، فهل هم أقـــلُّ شــأناً من نُظـــرائهم في دول الجـــوار كمــصر وسوريا وبعض دول المغــرب العربي ؟! تلك الدول التي تطبق قانون الخدمة المدنية في انصــاف أبنـــائها ..

لقـــد تَعِبَ هـــؤلاء من مقــولة : "المعلمُ الأردني مَـــوضعُ احــترام الجميع" التي أصبحت ترنيمــةً يرددهــا كل مسؤول كأنَّــهُ يَصُــدُّ بهــا ريحــاً عن نفسه ، دون أدنـــى فعل ملمــوس لهــؤلاء المنفــيين في جــزيرة الأحــلام ؛ فإنْ كنتم على تمــام الثقــة بأنَّ المُعــلم هكــذا فأروني ماذا فعلتـــم لحــل هذه القضيــة حــلاً عادلاً مرضياً ؟! وأينْ وزارة التربيــة والتعليم وإدارة شــؤون المُغــتربين في وزارة الخارجية عنهم ؟! أيُصبــحُ حــاله ما قاله "الشافعي" :

فلا ذا يراني واقفاً في طريقهِ .. وَلاَ ذَا يَرَانِي قَاعِـــداً عِنْدَ بَابِهِ

المُعـلمـــون المُغــتربون .. هــؤلاء الذين يقيمــون في 27 مدينــة في كافة أنحــاء العــالم ، منهم ما يقربُ من 17 ألف معلم يعملــون في دول الخليــج العربي ، والذين هــم محطّ تقــدير وإحــترام وإشــادة من قبل الهيئــات الدبلوماسيـة العاملة في تلك الدول لكفــاءتهم وجــودة عطــائهم ؛ تقــتربُ منهم كُلِّ الوجــوه وتطلَــعُ عليهــم جباه غالبيــة المسؤولين من نواب أو نقبــاء أو مســؤولين حينمــا يقــتربُ موعــد انتخــاب ليمــلأوا عقــولهم بالحلول والوعـــود وتبنِّــي قضيَّتهــم هــذه مثلما امتلأت بطــونهم بـ "شراك المنسَف" ، وبين لحظــة وأخرى وحينما يقرعُ جــرس الفـــوز يتركونهم في شِــراكٍ وعِــراكٍ مع النفس .. ألِهــذا الحـــد يكون المعلـمُ في الغــربة أداة لتســويقكم رعاكم الله ؟! وفي مناصبكم تكونون "كأنَّ على رؤوســكُمُ الطَّــير" ..

المُعـلمـــون المُغــتربون .. هــؤلاء الذين يشكلون حجــر أساس في دعم الإقتصــاد الوطنــي بالعملة الصعبة من خلال ما يُحـــوّلون من أمــوال تصل إلى ما يزيدُ عن أربعــة مليــار دينــار ، وما لديهــم من استثماراتٍ صغــيرة تُسهم في توفير فرص عمــل لكثير من أبنــاء الوطن ، مثلمــا يُسهمون وهم في قلب غربتهم بحــل شيء من البطالة والحد منها ، وفتـح المجــال بالعمل أمامَ الآخـــرين ، إضـــافةً إلى أنهم جــزءاً هاماً في حل مشكلة عدم كفاية مدارسنا وتخفيف الضغط عليها لاستيعـــاب عشرات آلاف الطــلاب جــراء النزوح الســوري منذ بضع سنوات ، ولكَ أن تتخيَّـــل ما سيمكن أن يكون لو عاد هــؤلاء المغـــتربون من المعلمين على الأقل مع أسرهم كيف سيكون الحــال ؛ ثُــمَّ نجــد ناطقــاً اعلاميـــاً باسم وزارة التربية والتعليم يقول :

"كيف لنا أن نحتسب سنوات الخدمة لمعلم في الخارج ليأتي بعد سنوات ويطالب بالتقاعد ، خاصـةً وأن الوزارة عليها التزامات عديده تجــاه المعلمين داخل الاردن"

أهــذا مُــبرر لأن يُظــلم المعلم المغــترب وتنتهــك حقــوقه أيهــا النّــاطق ؟! وهم الذين لا يتباطــأووا أبــداً بسد كافة التزامتهم السنوية لصندوق الضمان التربوي وغيره ، ورســوم عضوية نقابتهــم الغـــافية على حــرير الخطــاب والمنــاكفات الإعــلاميــة ، والتي تذكِّــرهم دائمــاً بمقــولة : "ما أشبه اليوم بالبارحــة" ..

أتعلمون معــالي الوزيـــر أم أنكم لا تعلمون؟! ما الذي يجعل المقيــم خارج الوطن يُطيــلَ الغيـــاب؟!

أم تعلمــون وتغضــون الطّــرفَ وتَصمُّــون آذانكم عمّــا نقــول؟! أم هي دبلوماسيَّـــة الــرد وفَــن التجــاهل ؟!

المعلِّمــون ليسوا كلاباً ضــالّة على قارعــة الطَّــريق – وحاشا لله أن يكونوا - لينتظــروا عَظــماً ترمونه عليهــم ، فَهُـــم في أكنــافِ ديــار هاشميَّــة المولــد والقيــادة تسعى دوماً لتحقيق "حياةٍ فُضـلــى" لأبنــائها ، وإنَّه حــقُّ مشــروعٌ بأنْ يَطــالهم من كرامـة وتكريم المُـــربي والمعلــم التي تنادون بها بعضَ الشّيء ، وأنْ يَحظــوا بقليلٍ من ردِّ الفضل عليهــم جــزاء ما كــدّوا وتعبــوا وجاهــدوا لأجل أجيــال وطنهم حتى تروّوا بالعلم والفضيلة ..

انظــر حولك سيِّــدي ولو قليلا ، تَجــد أنَّ غالبية المعلمين والإداريين ومن اعتــلا منهم بتعليمه وواصل مسيرته فكان له نصيبه في العمل في الجامعات في وطننا الغالي هم من بِــذار هؤلاء المغــتربون ، وممن سُقيــوا بعرقهم ونضالهم الطويل في ميدان التعليم في وقــتٍ كانت فيه "العـين بصيرة واليــد قصـيرة" حتى أطلعــوا قناديلاً تُضــاء بها نواحي الوطن ومناحيــه في كافة المجـــلات ..

أيَحــزُنْكَ أن يكون لهم نصيبٌ من خــبرتهم التي أفنــوا فيها غربــةً وصحــةً وجُهــدا ؟!

أيكــونُ تكريمــاً للمعلم أن يعــودَ ليبــدأ من جــديد؟! أو يَجــد نفسه مرؤوساً من أحــد تلاميــذه في ذلك الزمان ؟!

إنّ ليلَهــم سيِّــدي الوزيــر ليسَ كليلِ النابغــة "وليلٍ أقاسيه طويلِ الكواكب" ، إنَّ ليــلهم ليــلان ، ليلُ الغُــربة وليلُ حُــرقة الشوق الذي يكــابدون وحســرةُ الرجــوع الى حضنهم الدافيء ، وقد أضحــوا في ارتيــاب من العــودة لعــدم انصــافهم والإلتفــات إليهم في هــذا الجانب ، ومثلمــا أشبعَهــم الحنــين إلى الوطــن أشبعَهــم أيضاً المسؤولين عبر سنين مضت وعــوداً وكــلاماً معســولاً لمنــاقشة مطلبهم هــذا والاستجــابة لهم ، واتخــاذ قــرار فعلي وواقعي من شــأنه حــل هذه القضية بمجملها بما يحفــظ لهم سنيِّ خدمتهم ..

أخـــيراً أتمنـــى أن يتجـــاوز هذا المقــال كُلَّ مكاتب وزارتنــا ومســؤولينا الجهــابذة ، فقد اغرقــونا بردودهم ومعزوفاتهــم غير المقنعــة بتــاتاً ، ليصــل إلى يدي جــلالة الملك حامي حمــانا وقائـــد لوائنــا ، الذي لا يقبــلُ أن يُجــارَ على أبنائه أو أن يُظلمــوا بجــرَّة قلـم من مســؤول ، وهم الإنســان ، الأغلى إليه مما يملك كما عهــدناه أبــاً وعُــزوةً وسَنــدَاً حفظــهُ الله ، حتى تعــود إليهــم نشــوة روح "شوقي" من جــديد:

قُــمْ للمُعــلم وفِّــه التَّبجيـــلا ... كــادَ المُعـلمُ أنْ يكونَ رسـولا

عمار البوايزة – الامارات العربية المتحدة
ammar2015.abba@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات